-A +A
أحمد عجب
كان هناك جاران أحدهما طيب ومسالم، والآخر يظهر مطيعا وبسيطا وغاية في الاحترام خاصة عند اللقاء، لكن الجار المسالم فطن في الأخير إلى أن حدود أرضه تتغير كلما انشغل عنها، والبئر التي يستقيان منها للشرب أو لسقاية الزرع تكاد تجف متى غاب وعاد إليها، فتأكد أن هناك أمورا تحاك في الخفاء، فتظاهر ذات يوم بالانشغال حتى انقض على غريمه الودود وهو يستقي في غير يومه، فما كان من المخالف إلا أن قال: تعوذ من الشيطان يا جار، ليجيبه الجار المتضرر على الفور: إلا أعوذ بالله منك أنت.. وإلا الشيطان ما قد ضرني في شيء !؟
هذه القصة التي انتهت في حينه بضحك الجارين وإعادة المياه إلى مجاريها بكل ود ومحبة، رأيت أن أوردها هنا لا للإسقاط أو الدلالة، وإنما لأظهـر بأن الضرر الذي قد يوقعه الناس الذين نحبهم ونثق فيهم ولو كان ذلك من باب (الموانة) أو حسن النية أسهل وأمضى مما قد يوقعه العدو اللدود، فمن تثق فيه وتطمئن له قد يستشري ضرره في جسدك كالورم فلا تتنبه إليه إلا بعد فقدان الأمل كليا في استئصاله، أما من تعلم عداوته الظاهرة ومدى كرهه لك فإنك ستكون متأهبا وحريصا منذ البداية على مواجهته وأخذ اللقاحات المضادة له.

لا شك بأن شياطين الجن تصفد في شهر رمضان، وقد يكون ذلك بالمعنى الحقيقي ليمتنعوا عن إيذاء المؤمنين وخاصة مسترقي السمع منهم، وقد يكون ذلك بالمعنى المجازي بالنظر إلى حرص الناس في مثل هذه الأيام على الصيام والقيام وبعدهم عن المعاصي والذنوب فيقل بذلك إغواء الشياطين فيصبحون في حكم (المكبلين)، ولكن السؤال الملح الذي لايزال عالقا دون إجابة، هو: ماذا عن شياطين الإنس من حولنا؟! الذين يستغلون انشغالنا ليل نهار بأداء الواجبات والسنن الدينية ليكثفوا من أنشطتهم المخالفة خلال هذا الشهـر الفضيل حتى بات يشكل لهـم (موسم الحصاد) سواء للغش والفجور أو للغلو ونشر الأفكار المتطرفة!! بعيدا عن الأسئلة المعتادة، التي لا تخرج عن حكم ملاطفة الزوجة بعد الإمساك أو تذوق الطعام عند صنعه أو السواك أثناء الصيام، أستوقفني سؤال متصل يقول: هل يجوز السماح لغير المسلمين بإظهار الاكل والشرب في نهار رمضان؟! وقد جاءت الفتوى صارمة بأن ذلك غير مسموح لما فيه من هتك لحرمة الشهـر، ليكمل المتصل مداخلته بحرقة قائلا : أجل يا شيخ ليه يسمحون بالبرامج الهابطة التي تقوم على الإسفاف، لماذا يزداد الغش في المواد والأسعار، وكيف تتصاعد الانفعالات والبذاءات قبل الإفطار، وماذا عن استمرار المؤامرات والصراعات بمختلف البلدان؟! عندها تصدى له المذيـع معلنا: ألو.. ألو، الظاهر انقطع الاتصال، فاصل ونعود، ليظهـر على الشاشة إعلان البرنامج اللاحق وهو (فوازير رمضان) من بطولة المطربة الاستعراضية، وفزورة اليوم ستكون بعنوان: ناس حولينا.. الشيطان وهو شيطان ما يأكل عيش معهم؟!.