-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
لا يمكن للمرء الذي يتفاعل مع ما حوله من أحداث أن ينسلخ عن البيئة المحيطة به، مهما حاول ذلك، فقد فكرت أن يعيش قلمي جوا رمضانيا خالصا مع دخوله، لكني لم أصمد أمام هذه الفكرة، خاصة أن هذا الشهر الفضيل لا يمنعنا من معايشة الواقع، ومناقشة قضايا الأمة، وما أكثر قضايا أمتنا وهمومها.
وكنت أرتب بعض أوراقي فوجدت فيها تصريحا ــ ليس ببعيد ــ للرئيس الإيراني حسن روحاني، ادعى فيه ــ وكان ذلك قبيل المحادثات النووية الأخيرة في فيينا ــ أن قواته المسلحة، لا تشكل تهديدا لأي من دول المنطقة، بل إنها على العكس «تجلب الهدوء» – إي والله ، فهذا نص كلامه – في مواجهة التهديدات، وأكد الرئيس الإيراني على أن الإستراتيجية الإيرانية مبنية على «الردع الفعال»، و «إرساء السلام»(!!) في المنطقة وليس العدوان. وفي الوقت الذي أشار فيه الرئيس الإيراني إلى أن إيران أصبحت «قوة عظمى» في المنطقة، فإنها لا تشكل تهديدا لأحد في المنطقة، قال بالحرف الواحد «يجب ألا يشعر أحد بالقلق من وجود القوات البحرية الإيرانية»، فمناورات الجيش الإيراني ــ على حد زعمه ــ تأتي توافقا مع استراتيجية الردع الثابتة لديهم، لجلب السلام.. أي سلام وأي هدوء تتحدث عنه، فالحقيقة عكس ذلك.

والحقيقة أن كلام الرئيس الإيراني لا يعني إلا أحد أمرين: الأول أنه لا يعرف نهج بلاده في المنطقة، والثاني أن مفهومه ــ وبالطبع مفهوم قومه وبلاده ــ للأمن والهدوء والسلام، يختلف عن مفاهيم البشرية جمعاء.
ولما كان الاحتمال الأول مستبعدا، فإننا أمام حقيقة واحدة، وهي أن المفهوم الإيراني للهدوء والأمن والسلام، يختلف عن مفاهيم سائر البشر.
ولنبدأ بالدور الإيراني في لبنان، إذ هو دور قديم، لنرى هل أدى بالفعل إلى الهدوء والأمن والسلام في هذا البلد العربي الشقيق؟ ثم لننتقل إلى ما يليه زمنيا، وأعني الدور الإيراني في العراق، ولتبحثوا معي ــ لعلي لا أرى ــ أين الهدوء والأمن والسلام في هذا العراق؟ ولنرتحل إلى سوريا، والتدخل الإيراني السافر، الذي أسقط مئات الآلاف من الضحايا على مدى السنوات الماضية، لنتمعن في الهدوء والأمن والسلام السائدة في ربوع الشام. وأخيرا، فلنتجه جنوبا إلى اليمن، ويا له من هدوء قاتل وأمن تام، وسلام شامل، ينعم فيه ويرتع أهل اليمن الشقيق!!
هي نفس الدعاوى والمزاعم التي يطلقها حكام إسرائيل، وكيف أنهم من عوامل الهدوء والاستقرار في المنطقة، وهم الذين أشعلوا نيران الحروب منذ عشرات السنين في منطقتنا.
ونفس التصريحات الإسرائيلية الكاذبة، حول «الردع الفعال» و «إرساء السلام»، يرددها الرئيس الإيراني.
إذا كانت الدماء التي تسيل على الأرض العربية، والدمار الذي لحق بالبنى التحتية لهذه الأقطار، وبراميل البارود، والأسلحة الكيماوية، والسعي إلى السلاح النووي، كلها وسائل لتحقيق الأمن والهدوء والسلام في المنطقة، فصحيح : إذا لم تستح، فقل ما شئت..