-A +A
منى المالكي
عند البحث عن حل لظاهرة اجتماعية أو مشكلة، فأول ما يلزم الباحث هو أن يتتبع ويرصد الأسباب المؤدية لظهور تلك الظواهر، حتى يسهل عليه الوصول سريعا للحل وتفادي الكثير من الخسائر، والاعتراف بالمشكلة هو أول طرق الحل، وما قصة «أمة في خطر» ذلك التقرير الذي أيقظ أمريكا لإصلاح التعليم، عندما تأخرت في غزو الفضاء، وكان الاتحاد السوفيتي ــ آنذاك ــ من كسب السبق، إلا أكبر شاهد على استشعار المشكلة والمبادرة سريعا لحلها.
بلادنا الآن تتعرض للإرهاب حقيقة لا بد من الكشف الصريح والواضح والشفاف عن تلك الأسباب التي أدت بنا إلى هذه المستنقع الرهيب وخطف أولادنا في أتون محارق بشرية نحن حصادها ــ للأسف، وإن كنت أعلم ويعلم غيري جيدا تلك الأسباب التي أدت بنا إلى تفجيرات ظالمة، وكثر الحديث عنها، و «المنهج الخفي» الآن أصبح واضحا للعيان، إلا أن الدراسات حول هذه الظاهرة وأسبابها لا بد أن تستمر، ومن هذه الأسباب تغذية عقول النشء بأفكار الحرب والتنبه لظاهرة خطيرة في الفكر الإرهابي الإجرامي، وهي فكرة «المحو» للآخر، وهي فكرة تلتقي مع الآخر الحداثي، وإن كان الحداثي يرى المحو في إبداع وتشكيل رؤى جديدة خلاقة يظهر فيها الإنسان منتجا مبدعا لعالم مختلف، بينما فكرة المحو عند الإرهابي هي الهروب من العالم الذي يعيشه ويكرهه في آن واحد نتيجة أفكار مشحونة بعقيدة الكراهية لكل ما هو جميل لعالم آخر خيالي تصوره مجموعة من الأناشيد والأهازيج ويحيطه بأوصاف عجائبية، حتى يضمن ذلك المحرض القيادة لأولئك الشباب، والتمترس خلف عقول غضة شابة تقودها طاقة قوية جدا توجهت نحو التدمير والمحو.

شكلت الأناشيد مرتكزا أساسيا من مرتكزات الفكر الإرهابي والقراءة الناقدة العميقة والحفر المعرفي لتلك الأناشيد تكشف لنا حالات كثيرة من التقابل والتماهي مع عالم ماضوي لا يرتبط بنا، له قوانينه الزمانية الخاصة به، كما أنها تبين أيضا أن ترديد تلك الأناشيد بها تكرار لكلمات مثل «المؤامرة، هبوا، ليوث الوغى»، وحالات الظهور لتلك الكلمات قابلها غياب لمفردات تمثل هوية وانتماء للجيل مثل «وطن، مستقبل» حتى وجود المرأة في تلك الأناشيد وجود مساعد مهمته التهيئة، والانتظار في الصفوف الخلفية «ساعة النفير».
الدراسة لظاهرة التعبئة الفكرية ستجعلنا نصل لجذور المشكلة وتغيير تلك الأفكار الملغومة واستبدالها وتحويلها لأفكار مختلفة تحمل قيما إنسانية عليا، لن يتم ذلك إلا من خلال فتح قنوات ثقافية متعددة: مسرح، صالات عالمية لعرض لوحات، منحوتات، تزويد مكتباتنا بكتب تحرض على السؤال، هذه بعض من قنوات تغيير مسار جيل لا يعود ليردد أناشيد تستشرف مؤامرات ــ للأسف ــ نحن من يكتوي بنارها!!.