-A +A
منى المالكي
ملاك طالبة تدرس اللغة العربية وآدابها بجامعة باكو في أذربيجان التقيت بها على هامش مؤتمر الأيسسكو ، ملاك التي تدرس في السنة الثالثة متطوعة تعمل في خدمة ضيوف المؤتمر للترجمة ، بهرتني تلك الفتاة الجميلة بحبها للغة العربية وآدابها حتى أنها أخذت تسألني عن المعلقات وتشتكي من صعوبة بعض مفرداتها ! كما أنها فخورة بأن قسم اللغة العربية في جامعتها يخرج سنويا مائة طالب وطالبة ، يعملون في السياحة والترجمة ، وأثناء دراستهم يعملون ضمن فرق تطوعية لوزارة الثقافة في ترجمة المطبوعات التعريفية للمعالم السياحية في باكو للغة العربية ، وترتب في الصيف للذهاب إلى مصر للدراسة في معهد جامعة عين شمس حتى تتقن اللغة العربية أكثر.
ملاك فخورة جدا كما هو حال كل طالبات قسمها لاختيارهن اللغة العربية مجالا لدراستهن ، وتقول إن أغلب طلاب وطالبات اللغات في بلادها يختارون اللغة العربية عن دراسة بقية اللغات لجمالها وفرص العمل التي تتيحها لهم ، وفوق كل ذلك حتى تليق بالانتماء لدين عظيم هو الإسلام لغته اللغة العربية ، عندما كانت تتحدث كنت أتمنى أن تسمع كل طالباتنا مدى فخرها وشغفها باختيارها اللغة العربية واعتزازها بها ، أعلم أن من يقرأ كلماتي سوف يشعر أنني أتحدث بشاعرية وخيال محض بعيدا عن الواقع العملي لدينا ، الذي يعلن بأن دراسة اللغات وبالذات اللغة العربية لم يعد لها تلك الفرص الوظيفية أو حتى الوجاهة الاجتماعية ! ولكن تبقى اللغات والعلوم الإنسانية المجال الأصعب للمنافسة والارتقاء بين الأمم أليست هي ميدان التقدم المعرفي والبساط النظري والمنصة الرئيسة لانطلاق العلوم ، وقصة الحضارات وتطورها يبدأ من السؤال المعرفي أولا ثم البدء في رحلة العلوم ، فدراسة اللغات موهبة وإتقان ، وليس كل من تكلم العربية أجادها على سبيل المثال ، لتبقى اللغة العربية فرسا جامحة عصية إلا لمن عرف أسرارها ، ويبقى السؤال الأهم : لماذا تبقى النظرة للجامعات نظرة نفعية بحتة وكأنها مصانع تفريخ للسوق والتوظيف ؟، عمل الجامعة البحثي والعلمي أوسع وأشمل بأن ينحصر في تجهيز الطلاب والطالبات للوظائف والبطالة المقنعة ؟!.

وتظل ملاك عالقة في الذاكرة مضيئة كمنارة، ارتحت كثيرا في الحديث إليها ولكنها أتعبتني بأسئلتها التي أشقتني بها بقدر ما أدهشتني في الولوج إلى عوالمها..