-A +A
أحمد عجب
كان للبرامج الحوارية طابع وروتين معين، غالبا ما تظهـر فيها الشخصيات التي تربعت في مناصبها عقودا طويلة، يبدأ المذيـع الجهـبذ حلقته بمقدمة طويلة تتحرى في ثناياها المحاور والأسئلة التي ستحرج الضيف وتميط اللثام عن الحقيقة، تمر الدقائق ببطء، وأنت تنتقل من محور الإنجازات لمحور اللحظات العصيبة لمحور الذكريات التي انتقل جل شخصياتها (إلى رحمة الله) ثم لمحور الموقف الطريف الذي يصدمك ببياخته وكآبته، لتتفاجأ في النهاية بأن محصلتك الوحيدة هي نفي الضيف كل ما قيل عنه وهو يردد (الكلام هذا غير صحيح) !!.
لهذا لم أستغرب ردة الفعل الرافضة تماما لما قام به المذيـع الكبير داوود الشريان في برنامجه الشهير (الثامنة) حين خصص حلقة للقاء الموقوف خالد المولد، لقد اعتاد الناس على أن من يظهـر في اللقاء كضيف أن يكون حسن السيرة والسلوك وأن لا تكون عليه أي سابقة قضائية وأن يكون حاصلا على درجة علمية كبيرة وأن تكون له خبرة في المنصب الذي يشغله لا تقل عن خمس عشرة سنة، وكأنك أمام مقابلة شخصية لمسابقة وظيفية لمرتبة عليا وليس أمام برنامج تلفزيوني مهمته سبر أغوار القضايا المهمة وكشف خفاياها.

بالنسبة لي وإبراء للذمة لطالما حلمت بمشاهدة مثل هذا اللقاء، نحن أفراد المجتمع نصدر أحكامنا الغيابية ضد المتهمين لمجرد قراءة أو سماع ما يصلنا عنهـم من الإعلام، قام فلان الفلاني بارتكاب جريمة لا تغتفر وتم القبض عليه وإيداعه السجن تمهـيدا لمحاكمته وإيقاع العقوبة النظامية عليه، أما أقوال ذلك المتهم وأفكاره ودوافعه فهي حبيسة ملف القضية، لم نطلع عليها ولا نعرف عنها شيئا حتى اللحظة الأخيرة التي يعلن فيها بأنه (أقر بما نسب إليه أو تم التوصل لإدانته) ومع هذا نصدر الحكم عليه دون أن ندري!؟
اليوم يضخ إلينا (الشريان) هذه الحلقة الجريئة، ليضعنا أمام المتهـم الذي كان يتحدث بكل بساطة وصراحة عن التهـم الموجهـة إليه، برر بعضها وأقر صراحة بأغلبها، ومع أنه محشش سابق لفترتين يصل مجموعهـما لأكثر من ستة عشر عاما، إلا أنه أكد على سلامة عقله وأنه مسؤول عن كل ما يصدر عنه، ولو أن الإعلام كتب أو نقل تلك التفاصيل المثيرة التي حدثت أثناء الحلقة دون أن نشاهدها، لقلنا عنها إنها أخبار تفتقر للمصداقية، ولكننا رأيناها بأم عيننا، حتى اطمأنت بصائرنا وضمائرنا، فصادقنا على حكمنا السابق ضد المولد.
من انتقد أسلوب المذيـع المتأرجح بين السخرية والتراجيديا بحجة أن الفكر الضال الذي اعتنقه لا يحتمل التمييع فأود أن أذكره بأن المذيـع كان يجلس وجها لوجه مع إرهابي لا يرى حرجا في قتل مستضيفه .. ومن الحكمة اتباع المرونة معه، أما من ينتقد هذه الحلقة تحت ذريعة أنها قد تبرز هذا الموقوف أمام الشباب وقد يتأثر بأفكاره البعض منهـم، فأقول له إن ما عرض لم يعد سرا ويمكن مشاهدة ما هو أعظم من ذلك على اليوتيوب مع اختلاف الغايات والأماكن، لقد كان بحق لقاء مختلفا، وربما تكون المرة الأولى التي نجد فيها ضيف اللقاء يصادق على أغلب التهـم الموجهـة إليه وهو يردد (الكلام هذا صحيح)!!.