-A +A
علي حسن التواتي
ابتليت أمتنا العربية في عصرها الرديء ببعض الزعماء قصيري النظر قليلي المعرفة بحقائق التاريخ والاعتبار بأحداثه. فما يصل أحدهم إلى السلطة ويحضر أول عرض عسكري وينصت لزمجرة جنازير الدبابات وهدير الطائرات حتى تنتابه حالة من الشعور الزائف بالعظمة فيظن أن الدنيا دانت له وأنه مبعوث العناية الإلهية ليس لشعبه فحسب بل للشعوب المجاورة أيضا. ولقد رأينا مثل هذه النوعية المريضة في عدد من الدول العربية منها سوريا وليبيا والعراق وأخيرا في اليمن. والعامل المشترك الجدير بالاهتمام بين كل هؤلاء هو أنهم من خريجي المؤسسات العسكرية أو من شديدي الإعجاب بها حد تقمص شخصيات خريجيها. وهو ما يعني أن التربية العسكرية والمناهج التعليمية في تلك الدول تحتاج لإعادة نظر وبناء على أسس من التخصص والاحترافية المهنية بدلا من هذا الشحن العاطفي الذي يقود إلى التسلط والطغيان.
من هذه المقدمة يمكن أن نتعرف على شخصية الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي سخر كافة مقدرات بلاده الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية لتعزيز سلطاته والتشبث بكرسيه دون أدنى اهتمام أو إحساس بتأنيب الضمير لما يمكن أن ينتج عن مثل هذا التشبث المريض في بلد تتعدد أطيافه القبلية والمذهبية والمناطقة وبالكاد يتفق على كلمة سواء.

أكثر من ثلاثين عاما قضاها الرئيس السابق الذي يحلو له أن يوصف بالزعيم في بناء قوة عسكرية لا تتناسب مع موقع بلاده في قائمة أفقر دول العالم رغم أن لديها من الثروات ما يمكن أن يجعلها من أغنى دول العالم. فلو سخرت أموال النفط والغاز والثروة السمكية والزراعية والمعدنية والقوة البشرية المميزة في بناء اليمن لرأينا يمنا آخر سعيدا مزدهرا لا يحتاج لأي مساعدات خارجية.
ولكن التركيز على فرض معادلة توازن مذهبي يمثل طرفاها أقصى يمين التطرف السني وأقصى يسار التطرف الشيعي ليكون هو فيها بمثابة العنصر المرجح و(الحاوي الذي يلعب فوق رؤوس الثعابين) بحسب وصفه، أوجد حالة من الاستقطاب المذهبي العدائي بين مكونات الشعب اليمني ليتحول الجميع إلى مجرد (حوثة) و (شفعة) على سبيل التحقير في وصف كل طرف للآخر، وليتفرغ هو لبناء قوة عسكرية هائلة خارج نطاق المؤسسة الرسمية تحت مسمى الحرس الجمهوري تدين له بالولاء الشخصي وتزيد في عدتها وتعدادها على القوات العسكرية الرسمية. وباستبعاد هذه القوة غير الرسمية من حسابات المؤسسات الدولية فقد احتل الجيش اليمني بقوته النارية باستخدام 40 مؤشرا في 4/1/2015 المرتبة 79 في قائمة من 126 جيشا ضمن قائمة (جلوبال فاير باور) والمرتبة 12 على مستوى العالم العربي متخطيا في ترتيبه العراق والسودان ودولة المواجهة (لبنان).
هذا ناهيك عن إطلاق يد المواطنين في تملك السلاح حتى أصبح نصيب الفرد من الأسلحة الفردية في اليمن الثالث على مستوى العالم (54/ 100فرد) بعد الولايات المتحدة الأمريكية (90/100فرد) وصربيا (69,7/100فرد). وهناك مصادر أخرى ترفع هذا النصيب (المشؤوم) للفرد في اليمن إلى الثاني بعد الولايات المتحدة.
ولم يكتفِ الرئيس السابق بكل هذا، بل سلم الجمل بما حمل للمتمرد الحوثي بعد تشكيلهما لتحالف مصلحي، ربما كان مؤقتا، يضمن للأول موقع المرشد الأعلى لليمن (الشيعي) طوعا أو قسرا، ويضمن للثاني وأبنائه توارث السلطة. وساعده في الانقضاض على الشرعية الدستورية والرئيس الشرعي الذي انتخبه الشعب اليمني وذلك بعد تأكده من استحالة وصوله مرة أخرى للسلطة أو توريثها لأحد أبنائه بالحوار السلمي.
ولطالما تكررت شكوى الناطق الرسمي باسم تحالف (عاصفة الحزم) العميد الركن (أحمد عسيري)، في كل إيجاز تقريبا، من حجم مخزون الأسلحة والذخائر التي تكتشف يوميا في مخابئ غير معروفة مسبقا في طول اليمن وعرضه خاصة في إقليم أزال (صعدة، عمران، صنعاء، ذمار) مركز ثقل الزيدية في اليمن.
والحقيقة أن تحالف (عاصفة الحزم) التي بدأت عملياتها فجر الخميس 26 مارس 2015 بغرض إعادة الشرعية وتفكيك معادلة القوة والطغيان في اليمن، أماطت اللثام عن مدى التضليل الذي تعرض له العالم في حجم الترسانة العسكرية اليمنية التي ورثها المتمرد الحوثي من حليفه المخلوع إضافة على ما كدسه من أسلحة على مدى سنوات من مرجعيته الإقليمية (إيران) وما تم نقله منها عبر الجسر الجوي أثناء فرض الإقامة الجبرية على الرئيس اليمني المنتخب عبد ربه منصور هادي والتي تجاوزت كافة التوقعات وأكدت أرقام بعض المصادر العالمية التي وضعت اليمن في موقع خامس أقوى جيش عربي بعد مصر والسعودية والجزائر وسوريا.
وحتى بمقارنة الأرقام قبل كل هذا الدعم الإيراني فقد تفوق اليمن على عدد من الدول العربية التي سبقته في الترتيب في ميزان القوة، بعدد الدبابات (1260) وبعدد منصات الصواريخ متعددة الأغراض (423) هذا عدا أعداد مدافع الميدان المقطورة والعربات المدرعة وبعض أنظمة التسليح الأخرى.
فلمن أعدت هذه القوات يا ترى؟، هل لاستمرار فرض الهيمنة بالقوة على المحافظات الجنوبية والمكون المذهبي المنافس الذي يشكل أغلبية سكان اليمن بنسبة تصل إلى 70% أم للجارة الشمالية؟.. تساؤلات لا تحتاج لإجابة فإجابتها فيها.