-A +A
منى المالكي
ما زالت ثمار العاصفة تمدنا بخيراتها، ولعل من أجمل وأروع ثمارها تلك الوطنية الصادقة التي ظهرت ردا حاسما حازما على كل من أراد استبدالها بمسميات وأفكار تقتلع الفرد من جذوره وتراب وطنه تحت أوهام واهية بدعوى الأممية الزائفة.
منذ ظهور التجمعات الإنسانية كانت الحقيقة الثابتة في حياة الجماعات والأفراد هي حماية حدود الأرض وإعمارها، وهذه أولى الخطوات لبناء الحضارات، وتشرق في هذه الحالة صورة الحضارة الإسلامية خير مثال على ذلك في الفتوحات الإسلامية عند استقرار الجيش وبناء الحواضر الإسلامية كالكوفة والبصرة والقاهرة نجوما مضيئة يهتدي الناس بها لمعنى الانتماء والولاء، وبالتالي تربية الفرد الإسلامي على تلك القيم الحضارية الخالدة.

انتماء الإنسان للأرض التي يعيش عليها عاطفة وشعور إنساني أصيل عرفه سيد الخلق محمد بن عبدالله ــ صلى الله عليه وسلم ــ في حنينه لمكة عندما هاجر منها إلى المدينة، وبكاء الصحابة ــ رضوان الله عليهم ــ ومرضهم هناك وخروجهم على أطراف المدينة مستقبلين مكة في حالة وجد وشوق لتلك النسائم المحملة بعبق ذكرياتها ونسائم رائحتها، شعور الصحابة ــ رضوان الله عليهم ــ يفسر لنا الانتماء في أصدق صوره، ما هو شاذ وغير طبيعي هو محاربة تلك المشاعر وقطع الإنسان عن أرضه وحبه لها، فيتحول الفرد لصورة صلبة متشددة لا تشعر بالولاء والانتماء للأرض والوطن، فيتمكن منها شعور الجحود والنكران، فيصبح بذلك الفرد ضد انتمائه أداة سهلة للتخريب والإيذاء.
ما يفسر خروج تلك الجماعات المتطرفة بفكر شاذ وغريب هو عدم تربيتهم التربية الوطنية الصادقة التي تدافع عن حدودها وانتماءاتها ولا تكون أداة تخريب، الالتفاف عن موضوع الوطنية ومحاربته في فترات سابقة كشف لنا عن هشاشة تلك التوجهات والأفكار الزائفة المضللة التي نسفتها وفجرتها «عاصفة الحزم»، فالعاصفة التي ردت الحق إلى نصابه، وأعانت ــ بعد الله تعالى ــ شعبا مكلوما، غرست سهما ماضيا في خاصرة من يتلون في حق أصيل من حقوق الإنسانية، وهو حب الوطن والدفاع عنه، لا يمكن أن يتنازل فرد منا ويراهن على حدود وطنه ولو بشبر واحد؛ لأنه يؤمن أن الوطنية هي الرقم الأصعب في مواجهة التهديد لانتمائه واستقراره هو ومن يحب، فهل تعي الأبواق الشاذة حجم الحب بوطن الحزم في قلوب مملكة الحزم؟.