-A +A
منى المالكي
في لقاء تلفزيوني مع الروائية سلوى بكر عللت تسونامي الرواية في العالم العربي بغياب القنوات والمؤسسات المدنية التي تتيح فرصة التعبير عن الرأي الآخر، وبغيابها ملئت الرواية بتفاصيلها وسطوة الرمز بداخلها فرصة للهروب من الرقيب بأنواعه، وبالتالي التعبير الحر عن ما يشعر به الإنسان العربي.
رأي الروائية الكبيرة سلوى بكر يختزل الرواية بوصفها عملا فنيا إنسانيا عالميا إلى احتكاره فقط بصوت يعبر عن هموم منطقة وثقافة واحدة، وإن سلمنا بأن الرواية تخرج من رحم أرضها بشخصياتها وأحداثها إلا أن الزمن والمكان هما ما يعبران بجناحيهما إلى أطراف الأرض ليبقى الإنسان هو الإنسان، ويبصم على روعة العمل الفني المميز ويكتب له صفة الخلود كمشترك إنساني عالمي هو صورة الإنسان بتطلعاته بآماله وأمانيه عبر التاريخ، فإذا كانت الرواية فقط تنفيسا عن واقع مر، وفضفضة نسري بها عن أنفسنا فقط، فقد وصلنا إلى السبب الحقيقي الذي أبعدنا عن منصات التتويج والجوائز العالمية لهذا الفن الرفيع، فن الرواية! فالتعبير عن الهم الحالي والضيق الذي يشعر به الإنسان تجاه واقعه المأزوم هو وجه واحد فقط مما تعالجه الرواية، وليس حجر الزاوية لهذا الفن.

عند قراءتنا لإحصائيات الروايات العالمية وجدنا شهر سبتمبر في فرنسا مثلا هو شهر الرواية، وتصدر فرنسا أعدادا هائلة من الروايات سنويا في هذا الشهر بالذات، بحيث لا يستطيع القارئ الفرنسي قراءتها مجتمعة، ونحن نعلم حرية الرأي في دولة كفرنسا بالإضافة إلى القنوات المتعددة ومؤسسات المجتمع المدني التي تزخر بها، فما هو السبب الذي يجعل بلدا كفرنسا مثلا يهتم بالرواية ؟
كرم معرض فرانكفورت الدولي في دورته السابقة، الروائية المميزة رجاء عالم على روايتها «طوق الحمام» وما شد انتباهي هي كلمة مدير معرض فرانكفورت الدولي للكتاب عندما قال «لا نستطيع دخول مكة ولكن رجاء جعلتنا نعرف ونلمس أجواء مكة بروحانيتها» استطاعت رجاء أن تجمع الكل باختلاف الديانة والثقافة على صعيد مكة عشقها الأبدي، لم تنقل المكي المتعب المهموم نقلت روح وشفافية المكان وعبرت من خلال طاقة الزمن لعوالم الآخر واختطفته معها.
بقاءنا نرى الرواية مذكرات عن ما يحدث حولنا وجعلها مرآة تعكس وجوهنا فقط، هو ما يوقعنا في المحلية المغرقة التي لا تتجاوز شارعنا وذكرياتنا الشخصية، وثقافتنا المحدودة وعدم انفتاحنا على الآخر بثقافته وأعماله، كتابة الرواية لمن لا يحسن التعامل مع تفاصيلها المدببة وفسيفسائها المحيرة لن تخرج لنا نجيب محفوظ آخر وسنبقى نجتر تجاربنا وواقعنا فقط..