-A +A
منى المالكي
استطاع الشيخ صالح المغامسي إثبات التحول في الخطاب الدعوي السعودي الذي يشهد ذلك على استحياء في كثير من أحواله!، ففي محاضرته الأخيرة يوم الخميس الفائت في معرض الكتاب عن «الإسلام والتعايش»، أجاب عن ما تواجهه المرأة من توتر إزاء قضاياها والاحتقان الذي يصاحب كل قرار من قرارتها في حياتها العامة أو الخاصة، فقال: «إن المرأة لدينا ظلمت بأن كانت دائما موضع الاتهام، والأصل في الإنسان البراءة، وكما يخطئ الرجل تخطئ المرأة، وتعيين الحراسة دائما عليها هو نوع من الاتهام لا أصل له».. بهذه الكلمات العميقة الدلالة والواضحة جدا في رصد وتحديد موضع الشد والجذب في قضية المرأة الشائكة، نجد أن الشيخ المغامسي العالم في تفسير القرآن يقول، وبشكل لا جدال فيه، إن المرأة السعودية ظلمت على مدى ثلاثين سنة من خطاب يراها دائما جسدا فقط يجب إبعاده وإقصاؤه من الحياة؛ لأنه سبب الشرور والآثام.
منذ بدء حركة التنوير في القرن الفائت اضطلع بهذه المهمة العظيمة أقصد النزعة العقلانية علماء أجلاء أمثال الشيخ محمد عبده، الذي لم تكن تلك الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة تشكل حدا فاصلا للتمييز أو الإقصاء والتهميش لديه، فالحقوق واحدة والتماثل هو جوهر الأشياء، يقول الإمام محمد عبده «إن حقوق الرجل والمرأة متبادلة، وهما متكاملان في الحقوق، كما أننا متماثلان في الجوهر والإحساس والشعور والعقل، أي أن كلا منهما بشر تام له عقل يفكر وقلب يحب ما يلائمه ويسير به، ويكره ما لا يلائمه وينفر منه». هذا الخطاب العقلاني لم يأت نتيجة هوى نفس أو رغبة في أن تكون المرأة سهلة المنال ــ كما يرى البعض في الخطاب المتسامح مع المرأة، إنما كان تأكيدا واتباعا للخطاب القرآني الذي دائما ما يخاطب «بني آدم» و«يا أيها الإنسان» هذا كله يشمل المرأة باعتبارها من ذرية آدم، وإنسانا مكلفا شرعا ومحاسبا من رب العالمين.

الربط الجميل من الشيخ الجليل بين قضية المرأة ونقد تراثنا هو حجر الزاوية لتغيير مسار خطاب أوحد يرى أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، فالقراءة الناقدة الواعية لما خلفه أسلافنا من أقاويل ومرويات دس فيها الكثير من الأمور غير الصحيحة والمخالفة للعقل هو الطريق الصحيح للانتقال إلى العالم الحقيقي والتفاعل معه وفق مقاصد الشرع، بعيدا عن اجتهاد الماضي السحيق الذي يتحكم بنا من خلال أفعال وأقوال مضى عليها مئات السنين، تلك الأمور التي لم يعد لها مكان في عالمنا اليوم، وإن كانت في وقتها تسير مع ما كانوا يرونه صالحا لهم، نية التغيير لا تكفي العمل الجاد والمواجهة الصريحة الحقيقية هو المشروع المثالي للبدء، فهل هناك من يمتلك جرأة وشجاعة الشيخ؟!.