-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
كثير منا تعرض خلال حياته لمواقف عكست حقد هذا أو ذاك عليه، نعم هناك صنف من البشر، تمكن الحقد من قلوبهم، وصبغ سلوكياتهم وتصرفاتهم، وآذوا الناس بهذا المرض القلبي اللعين.
والحاقد -من وجهة نظر علماء النفس- شخص يعاني آلاما نفسية بالغة، تؤدي الى حالة من التعاسة، ويرجع هذا الى عجز الحاقد عن تحقيق اهدافه، ويظهر هذا الفشل عندما يقابل آخرين ناجحين، عندها تحدث مواجهة مع ذاته، ويشعر بالفشل، وتشتعل الحيرة بداخله، بل ويتمنى زوال النجاح عن الآخرين، حتى لا يكون هو الفاشل وحده، وهو يتمنى -علاوة على ذلك- أن يحل محل هؤلاء السعداء الناجحين، ومن ثم، تشتعل نفسه حسدا، وينسى ما قد يكون فى شخصه من ميزات وحسنات، قد لا توجد في من امامه.

وإذا كان الحاقد حقيقة متواجدة فى حياتنا، ولا يمكن أن نتغافل عن وجوده فى واقعنا، بل قد يكون من أقرب المقربين الينا، فإن علينا ألا نسعى للقضاء عليه، ولا لمحاربته، فقد يكون عزيزا علينا، قريبا الى نفوسنا، بل من ذوي القربى، وإنما نسعى، وبقوة، لمعالجة حالة الحقد الكامنة في هذه النفوس.
وبإمكان الحاقد نفسه ان يعالج نفسه بنفسه، وبداية، عليه أن يقر بأنه يعانى من هذه المشكلة، وأن يعرب عما بداخله من أمانٍ وأحلام وتطلعات للآخرين من الاصدقاء والمقربين، اذ في اخفاء هذه المشاعر تأجيج للإحساس بالحقد، بعدها، عليه ان يفكر بشكل جدي وواقعي في كيفية تحقيق هذه الاماني والأحلام، شريطة ان تكون واقعية، وقابلة للتحقق على ارض الواقع.
ومن المهم ان ينظر هذا الشخص نظرة فاحصة الى حاله، ويتمعن في ما أنعم الله عليه من نعم، بل ويركز الضوء على ما هو فيه من خيرات، فلا يوجد انسان على وجه الارض توافرت له كل أسباب السعادة، وتحققت له كل المنى والأحلام، ونال كل الخيرات، وتوافرت له كل سبل الراحة والرفاهية، كما لا يوجد على وجه الأرض -كذلك- من حرم من النعم والخيرات، فلم ينس الله تعالى عبدا من عباده، وأعطى من نعمه وخيراته للمؤمن والكافر، فلكل حظه من هذه الحياة، ولم يكن الانعام يوما دليلا على رضى الله تعالى على العبد، كما لم يكن الحرمان يوما دليلا على غضبه على عبده «كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك».
إن من اهم وسائل علاج الحقد فى النفوس أن يؤمن المرء بقدر الله تعالى، وأن ينمي بداخله حالة من الرضى والقناعة، تسهم فى خلق النفس المطمئنة، التى تنشغل بحالها، ولا تنظر الى الاخرين إلا وهي ذاكرة لأنعم الله تعالى عليها.
إذن، الحاقدون موجودون بيننا، ولن يختفوا من حياتنا، وكل ما علينا أن نتعامل معهم كمرضى نفسيين، وألا نقابلهم بردود أفعال تزيد من مرضهم، وتضاعف من أحقادهم. هم بحاجة الى تعامل نفسي حساس، يقوم سلوكهم، ويؤدى الى تطبيع وجودهم معنا، وفوق هذا كله، علينا ألا ننساهم من الدعاء، وألا ننسى أنفسنا، فاللهم قنا حقد الحاقدين، وأصلح أحوالنا وأحوالهم أجمعين، أما هؤلاء الذين يرفضون اصلاح ذواتهم، وتمكن الحقد من قلوبهم، فلا نقول لهم إلا: موتوا بغيظكم، ووقانا الله شروركم.