-A +A
علي حسن التواتي
وبعكس ما يتصور كثيرون خارج المملكة وداخلها أو يصورون بأن الأمن هو الهاجس الأول للمواطنين السعوديين في المرحلة القادمة، فإن الأمن لا يشكل هاجسا مقلقا بل مبعثا للطمأنينة ودافعا للتفرغ للتنمية والبناء. فالأمن الوطني، سواء منه المحلي أو الإقليمي، في أيد شابة أمينة لطالما عرفناها في الداخلية والحرس والدفاع، وعرفنا مدى ما تتمتع به من قدرات وخبرات مكنتها وستمكنها في المستقبل من الاستمرار على نفس القدر من دقة الإنجاز وسرعة الاستجابة في مواجهة المخاطر والتحديات. ولذلك فإن الإحساس لدى الجميع بالأمن والاستقرار عميق، وتلك نعمة كبرى أن يصبح الأمن أمرا مسلما به في دولة يحيط بها حزام من الألغام المتفجرة والقابلة للانفجار ــ بحسب تعبير مذيع حاورني في هذه المسألة على إحدى القنوات الفضائية. ولذلك، أرغب في أن أضع بين يدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الهاجس الذي يقلقني كما يقلق الكثير من المواطنين، وهو الهاجس الاقتصادي.
فهناك عشرات الملفات الاقتصادية المفتوحة التي يأمل المواطنون أن تعتلي قائمة الأولويات الوطنية للمرحلة القادمة، وسأستعرض هنا أهم ستة منها لضيق المساحة. وأول هذه الملفات هو ملف تعثر المشاريع التي تحسب على المواطن وترصد لها المخصصات، ولكنها تتعثر، فلا هي مكتملة لتضيف للاقتصاد الوطني، ولا هي ملغاة فتوفر على الخزينة العامة مخصصات يمكن أن تنفق في أوجه أخرى. فرغم أن مئات المليارات أنفقت على التنمية، إلا أن نسبة المشاريع المتعثرة في مختلف المجالات عالية جدا، ولا يمكن تحديدها إلا من جهات الاختصاص وتتخطى بكثير ما هو معلن من أنها لا تتجاوز 13%، فمثلا كان عدد المشاريع المتأخر تسليمها في وزارة التربية والتعليم ــ إدارة تعليم مكة 47 ــ مشروعا من 104، وكذلك في الرياض، تأخر المقاولون في تسليم 37 مشروعا من أصل 110، بينما تأخر مقاولو جازان في تسليم 22 مشروعا من أصل 35 مشروعا. والوضع في وزارة الصحة والنقل والمياه والمجاري والنقل وغيرها من مصالح الدولة. بل إن بعض المشاريع مثل مشاريع الصرف الصحي يعاد تنفيذها في الشارع الواحد عدة مرات.

وحتى بسحب المشاريع المتعثرة وإعادة ترسيتها على مقاولين آخرين تتكرر المأساة بتعثر المقاول الجديد، ما يزيد الكلفة الاجتماعية والمادية أضعافا مضاعفة. فقد أورد المهندس عبدالله البابطين مدير عام متابعة عقود الأجهزة الحكومية والشركات بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ورقة علمية قدمت سنة 2013 بيانات مهمة فحواها أن تكلفة المشاريع الحكومية المتعثرة في السعودية بلغت حينها 40 مليار ريال بنسبة تبلغ 33.47%. الملف الثاني هو ملف المدن الاقتصادية، فالمدن التي أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ يرحمه الله ــ لتشكل أوعية اقتصادية للتنمية الإقليمية والشاملة للمملكة توفي وهو يأمل أن يرى إحداها مكتملة، فما الذي عطل تنفيذها، ولماذا هي تراوح في المربع الأول بالرغم من الدعم القوي والإنفاق السخي. الملف الثالث هو ملف مدينة الملك عبدالله المالية في الرياض التي يمكن أن تتحول بلادنا من خلالها إلى عاصمة مالية للمنطقة ووعاء لاستيعاب بورصات جديدة للمعادن والسلع وخزانة آمنة للأموال ومحرك رئيس للاقتصاد بحكم موقعها وإمكاناتها المتوقعة. الملف الرابع هو ملف التنويع الاقتصادي وتنمية الصادرات. وهذا ملف مزمن يحتاج لهيئة خاصة للتعامل معه وعدم تركه للوزارات التقليدية التي تقيس مشاركتها في أي مشروع بقدر انعكاسه على ميزانياتها سلبا أو إيجابا. والأمل أن يأخذ التنويع منحى صناعيا وتنشأ هيئة ملكية للتصنيع مع فصل الصناعة عن التجارة للانتقال بسابك وما يتوفر من صناعات تحويلية أخرى للمراحل الأعلى والأكثر تعقيدا والأعلى طلبا على مستوى العالم.
الملف الخامس هو ملف البطالة والتوظيف. وهذا الملف يتفاقم يوما بعد يوم مع تزايد أعداد الخريجين من داخل وخارج البلاد واحتياجهم لما يقل عن نصف مليون وظيفة جديدة في العام الواحد. وهو ما عجزت عن تحقيقه الجهات المختصة من خلال تطبيق نظام الحصص والنسب الأزلي الذي لم يفلح في طرح حلول ناجعة؛ لأنه لا يركز على التغيير البنيوي في نوعية العمالة الوطنية ومد حافتها التنافسية نحو أبعاد جديدة بقدر ما يركز على الحلول الجبرية التي ترتكز على سلطة الدولة وتتجاهل كفاءة التشغيل والإنتاج. أما الملف السادس فهو ملف الطاقة الذي يبذل فيه نائب وزير البترول والمعادن الأمير عبدالعزيز بن سلمان جهودا مثمرة واضحة في الترشيد الاستهلاكي الأهلي والصناعي بحكم أننا دولة تحرق ثلث إنتاجها اليومي من النفط في الأغراض المختلفة ومرشحة للمزيد ما لم تنفذ حالا مشاريع طاقة بديلة أو مساندة فعالة.
هذه هي الملفات الاقتصادية الستة الأهم ــ من وجهة نظري ــ والتي أضعها بين يدي سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأرجو أن يكون الاهتمام بها فاتحة خير وازدهار لعهد جديد وتناول جديد للشأن الاقتصادي الذي يهم المواطنين بالدرجة الأولى.