-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
من المعلوم بداهة أن السير في عكس الاتجاه الصحيح، ووفق كل النظم والأعراف، وفي كل البلاد والأقطار، يعد مخالفة جسيمة، يعاقب مرتكبها بعقوبات مشددة، لما في هذا السلوك من تهديد لسلامة البشر، كما أنه يعكس جهل مرتكبه بأصول وقواعد السير، وخروجه على الآداب، وعدم فهمه لما ينبغي أن يكون عليه المرء.
تداعت هذه المعاني في ذهني وأنا أتابع سلوكيات ما يسمى بتنظيم «أنصار بيت المقدس»، فالتسمية في حد ذاتها فيها خداع وتدليس، إذ أن مصطلح «الأنصار» له سحره في نفوس المؤمنين، فمجرد سماع كلمة «الأنصار» نتذكر عصرا ذهبيا عاش في خير القرون، ومن ثم ارتبطت الكلمة بكل معاني الخير التي يمكن تخيلها، وكيف لا وقد رضي الله تعالى عنهم في كتابه الكريم.

كما أن «بيت المقدس» كذلك له في نفوس المؤمنين مكانة، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فإن ذكر «بيت المقدس» يثير في النفوس شجنا وحنينا وشوقا إلى هذا المكان، كما يحرك الأحزان في أعماقنا ونحن نراه ينتهك في هذه الأيام على أيدي المستوطنين الصهاينة، فإذا ما ارتبط المصطلحان: الأنصار، وبيت المقدس، تاقت النفس لهذا البيت وهؤلاء الأنصار.
لكن «أنصار بيت المقدس» ولوا ظهورهم تجاه بيت المقدس، ربما حسبوا جهلا أن هذا البيت الكريم قد تم نقله إلى سيناء أو إلى العراق أو إلى دول الخليج العربي، فشنوا إرهابهم على تلك الدول، زاعمين تحرير بيت المقدس ونصرته، مع أنهم قد ضلوا وأضلوا ولم يدركوا أنهم قد ساروا «عكس الاتجاه»، إذ يبدو أن بوصلة قادتهم وزعمائهم «صناعة صهيونية»، غيرت لهم الأماكن وغسلت لهم أدمغتهم، فلم يدركوا اتجاهات الكرة الأرضية، وأصبح الشمال جنوبا والشرق غربا.
لقد فقدوا الإدراك بعنصر المكان، ومن قبله فقدوا الإدراك بعنصر الزمان، فلكل عصر سبله ووسائله، أو ما يسمى بلغة العصر «تكتيكاته»، التي يتحقق بها الجهاد وتحرر بها المقدسات.
ما علاقة نصرة بيت المقدس بالتفجيرات والعمليات الإرهابية التي ترتكبها هذه الجماعة في الدول العربية المسلمة وخاصة في سيناء المصرية ؟
إذا كانوا يعتقدون أن تحرير بيت المقدس يأتي بتحرير هذه الشعوب من أنظمتها، فهم واهمون وقد تقوم الساعة قبل أن يصلوا إلى هدفهم.
إن أقوى الأدلة على الصناعة الصهيو ــ أمريكية لمثل هذه الحركات والتنظيمات، هو أنها لم تطلق رصاصة في الاتجاه الصحيح، وأعني اتجاه المحتل لبيت المقدس.
لقد ضلوا الطريق وأضلوا من معهم وعاثوا في الأرض فسادا، «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».