-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
أسكتلندا ــ لمن لا يعرفها ــ أحد أقاليم أربعة تتكون منها المملكة المتحدة United Kingdom التي نعرفها ببريطانيا وتضم معها: إنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية، ونظرا لما تتمتع به أسكتلندا من ثروات طبيعية، كانت على مر التاريخ مطمعا للغزاة، بدءا بالأيرلنديين ثم ( الفايكتيسجز ) من الدولة الإسكندافية، والرومان، وانتهاء بالإنجليز عام 1296 م، وما أعقب ذلك من حروب انتهت بتوقيع اتفاق الوحدة مع إنجلترا عام 1707 م، لتكتمل دولة المملكة المتحدة، أو بريطانيا العظمى .
وتشغل أسكتلندا الثلث الشمالي من الجزر البريطانية، وتبلغ مساحتها نحو 78 كم2، وتمتع بمناظر خلابة، حيث الجبال والتلال والأودية والبحيرات والغابات، كما تضم نحو ( 790 ) جزيرة منها 130 فقط مأهولة بالسكان الذين يبلغ عددهم نحو خمسة ملايين نسمة ( أي نحو سكان دول الخليج باستثناء المملكة تقريبا )، ومن أشهر مدنها جلاسجو، وهي أكبر مدن أسكتلندا، وأدنبرة العاصمة، وتعد أسكتلندا مسقط رأس العديد من العلماء والمخترعين، ونذكر منهم: جراهم بل مخترع الهاتف، ووجون لوجي بايرد مخترع التلفزيون، وفلمينج مخترع البنسلين، وجون شيبرد براون مخترع آلة الصراف التي ننعم بها في ربوع بلادنا، كما يحسب للأسكتلنديين أنهم قد ابتكروا لعبة الجولف في القرن الخامس عشر الميلادي .

وبالطبع، ثمة اختلافات كبيرة بين الأسكتلنديين والإنجليز , في التاريخ واللغة والثقافة والعادات والتقاليد , بل وربما في المعتقدات أيضا.
هكذا يتضح لنا توافر عوامل تكوين دولة مستقلة لأسكتلندا عن المملكة المتحدة، ناهيك عن الحس القومي عند كثير من سكانها، ورغبتهم في الاستقلال، فمن ذا الذي يرضى بالتبعية، ويرفض الاستقلال ؟! .
لكن المفاجأة الكبرى التي وقعت مؤخرا هي رفض هذا الاستقلال بنسبة وصلت إلى 54% تقريبا , وفضل الأسكتلنديون الإبقاء على تبعيتهم للمملكة المتحدة .
لقد أدرك الأسكتلنديون أن عصرنا هذا هو عصر التكتلات، فلا مكان فيه الدول الصغيرة، وأشباه الدول، وغلبوا المصلحة العامة للبلاد على ما يعتلج في نفوس البعض من أحلام، أو مطامع سياسية، وما يتطلع إليه دعاة الاستقلال من تحقيق زعامات لدويلة قد يصعب عليها الصمود في عصر التكتلات والاتحادات.
دار هذا كله في خاطري وأنا أقارن الأسكتلنديين وموقفهم من الاستقلال بموقف الأشقاء في جنوب السودان الذين حاربوا وقاتلوا من أجل الانفصال عن الوطن الأم ــ السودان ـ ليفتخروا بدولتهم المستقلة التي لم تمض عليها عدة شهور حتى بدأ أصحاب الأطماع والأهواء في داخلها في القتال والصراع، مع أن جنوب السودان لا تتوافر فيه مقومات الدولة المستقلة بنفس الدرجة التي نجدها في أسكتلندا .
الفارق كبير في التفكير العقلاني المنطقي الذي يعلي من شأن المصلحة الوطنية ويضعها فوق أي اعتبار أيا كان: دينيا أو قبليا أو سياسيا .
العبرة من الاستفتاء الأخير في أسكتلندا، ورفض الاستقلال، يجب أن تكون ماثلة أمام كثير من ( الجيوب ) و ( القبائل ) و ( المذاهب ) التي تسعى كل منها إلى تقسيم البلدان العربية الشقيقة، والتاريخ يثبت لنا أن البقاء للأقوى ودائما في الاتحاد قوة .
فهل يعتبر الأشقاء في جنوب السودان، ويعودوا إلى رشدهم وإلى وطنهم الأم، وتتم تسوية الخلافات، وضمان الحقوق ؟!
وهل يعتبر الأشقاء في العراق وسورية واليمن وليبيا وغيرها، ويقلدون الغرب في سعيه وحرصه واجتهاده في تحقيق الوحدة، ونبذ كل ما من شأنه تقسيم البلاد ؟ وصدق الشاعر حين قال:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا