-A +A
منى المالكي
في الزخم المتلاحق للأوضاع التي تعيشها المنطقة حاليا، والتقلبات السريعة عالميا، يظهر الدور القيادي للنخبة ضعيفا إلى حد ما، ساعد على ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والتي فتحت الفضاء واسعا لكل من لا ناقة له ولا جمل في أغلب الأحوال أن يقول ما لا يفقه ــ للأسف الشديد، وبذلك أصبحت مهمة الإنصات لبعضنا البعض صعبة، بل مستحيلة في بعض الأحيان، وبعض المواقف للمثقفين أنفسهم تساعد على غياب هذا الدور القيادي أو الطليعي أو حتى التوعوي تجاه أمر ما، عندما يرفضون التدخل أو الإدلاء بآرائهم خوفا أو إيمانا أن التخصص هو سيد الموقف، ففي عام 1997م، وعند اشتداد «القضية الألبانية» في إيطاليا، كتب الباحث والروائي وعالم اللسانيات «أمبرتو إيكو» رأيه في القضية، ضمن مقالته الأسبوعية التي ينشرها في مجلة «الاسبريسو»، وهي تدور ــ تحديدا ــ حول سؤال المثقف وكلامه وحقه في التدخل في القضايا العامة، وتتلخص نصائحه للمثقفين بأن لا يتدخلوا أبدا في المشكلات الراهنة، وطالبهم بالإحجام عن إضاعة الوقت في الدخول في متاهات لا طائل منها، مع أن هذا المبدع الإيطالي الكبير كانت له مواقف وآراء تجاه قضايا بلده في أحيان كثيرة!
بينما نجد على الضفة الأخرى رائد التفكيكية «جاك دريدا» على رأس مثقفين أمثال موريس بلانشو وجاكلين ريسيه وموريس نادو يصرون على تشكيل هيئة دولية للمثقفين يستطيعون من خلالها حل بعض المشكلات المجتمعية. هنا يبرز الفرق بين أن تؤمن بدورك بوصفك مثقفا ولا تدع للآخرين فرصة للفوضى، أو العبث بعقول غضة يوجهها الآخرون بحسب مصالحهم الذاتية فقط، وبين أن ترضى بأن لا يكون لك دور! كما أن الثقافة الحقيقية هي سلوك لا بد أن يراه الآخرون في شخصيتك يتمثل في قوة التأثير لدى الآخرين وعدم انجرافهم في خلط وفوضى لا يجني منها الجميع غير الخسارة.

في لقاء مع المفكر العراقي «رشيد مخيون»، وهو أحد ضيوف الجنادرية لهذا العام، عبر بكلام عقلاني ومنطقي عن قضايا عميقة جدا داخل مجتمعاتنا العربية، ما رفع وأزال كثير من اللغط والأمور التي يرتبك حيالها بعض الأشخاص، وهذا الدور الإيجابي للمثقف لا بد أن يؤمن به هو أولا، ثم يبدأ في العمل عليه، ولا يكتفي فقط بالمشاهدة من بعيد ومن ثم إلقاء التهم على من يعمل، عندما خسرت المجتمعات الإنصات الجيد لمثقفيها، اختار الآخرون غيرهم لتصبح مجتمعاتنا تفجيرية ــ للأسف، فكثير من الأعمال الأدبية والأفلام والمسرحيات هي حالات استشرافية لما هي مقدمة عليه البشرية من مآسٍ، فهل سنعي الدرس ونتعلم منه؟!.