-A +A
منى المالكي
تمثل النصوص التراثية ميراثا معرفيا هائلا للقراءة والسؤال والتجريب، كما أن هناك كما من الرهانات المسؤولة عن مدى صلاحية هذه النصوص لتشكيل عقلية حاضرة من عدمها، هذه العلاقة المزمنة والمتأزمة مع تراثنا هي الظاهرة أمامنا، ولكن الإشكالية الحقيقية عندما يتحول بعض منتجو هذه النصوص إلى أشخاص حاضرين أمامنا الآن يتحكمون بطريقة إدارتنا لحاضرنا، وتوجيهنا كما يشاؤون، مع العلم بأنهم هناك تحت الثرى لا حول لهم ولا قوة! وكما أن أغلب منتجي هذه النصوص التراثية من المرونة والتحول والتغيير المعرفي على قدر كبير، إلا أننا ــ نحن الأحياء ــ مصرون على تمجيدهم وتجميد فكرهم بحسب مقاساتنا وأوهامنا القاصرة في أحيان كثيرة.
الجدل الذي لا ينتهي حول علاقتنا مع التراث يكمن في عدم فهمنا ووعينا للمسافة الزمنية الهائلة التي تفصلنا عنه، كذلك اختلافنا الحاد في قبوله كاملا كما هو، أو رفضنا المتطرف له، هنا لا بد من التوازن في ردم هذه الفجوة حتى يمكننا التعامل بعقلية أكثر مع هذا الكم الهائل من المعرفة التراثية التي أعيتنا ولم نستفد منها حتى الآن.

صناعة الحاضر لا يمكن أن تكون على قدر من التماسك والقوة بدون الاستناد إلى «قراءة يقظة» لهذا المخزون المعرفي الهائل، ولكن بشرط أن تكون علاقتنا أيضا يقظة متأملة تملك الكثير من الحذر والوعي بأن ما نتعامل معه هو نتاج بشري، كما أن التجول في الماضي لا يشبه إطلاقا التجول في الحاضر، والباحث في هذه النصوص التراثية لا بد أن يعي جيدا السياق الزمني المختلف في الانتماء لهذا التراث، فعلاقتنا التمجيدية غير الواعية لهذا الإرث الكبير هي ما أوقعتنا في المأزق الذي نحن عليه والأسئلة التي لم نحسن التعامل معها أو حتى محاولة الإجابة عليها، وهي: كيف نتعامل؟ وكيف نستفيد؟ وكيف هي شكل العلاقة مع أجدادنا المرحومين ــ بإذنه تعالى؟! فالتجول والحوار مع أجدادنا يشبه التجول في حقل مليء بالألغام تكاد ألغامه تنفجر في أي لحظة، فمتى تتحول هذه الألغام إلى ألعاب نارية تفرح من حولها، لنجتمع حولها منتجين للفرح وليس لغيره!.