-A +A
غازي عبداللطيف جمجوم
أكثر ما يكتب عن دبي الشقيقة يتعلق بإنجازاتها المعمارية الباهرة مثل سوق دبي مول الأكبر والأجمل في العالم أو برج خليفة أعلى ناطحة سحاب أو مترو دبي أو برج العرب أو نافورة دبي أو آلاف الفنادق الفاخرة والمطاعم والأسواق أو غير ذلك من الإنجازات القائمة أو التي يتم التخطيط لإنشائها مما جعل دبي وجهة للسياح من جميع أقطار العالم ومركزا أساسيا للمعارض السنوية، وهو ما أهلها أيضا لاستضافة المعرض الدولي - إكسبو 2020- بعد ست سنوات. يجتذبني المعرض الصحي - أراب هيلث - إلى هناك كل عام. هذا المعرض من أكبر المعارض الصحية ويزيد عدد زواره عن 80 ألف زائر وهو يعج بكل ما يتعلق بكافة وسائل الرعاية الصحية وتجهيز المستشفيات. ويشير عدد المستشفيات الجديدة المشاركة في المعرض أن دبي وبعض المدن الإماراتية الأخرى ستكون وجهة رئيسة للسياحة العلاجية لمواطني دول الخليج العربي وكثير من الدول الأخرى. لم يفت دبي أيضا الاهتمام بالجوانب الطبيعية التي تبدأ بزراعة الأشجار والزهور والنجيلة الطبيعية لتزيين الشوارع والميادين ثم تمتد إلى العناية بالشواطئ الجميلة مثل شاطئ الجميرة لتشمل كذلك العديد من الحدائق العامة والمنتزهات الكبيرة. اهتمت دبي أيضا بالحياة الفطرية فأنشأت حدائق الأسماك والكائنات البحرية في عدة مراكز مما يمكن الزوار من الاستمتاع بمشاهدتها أو حتى من السباحة مع الدلافين إن رغبوا في ذلك. تجاوز اهتمام دبي بالحياة الفطرية كل ذلك ليشمل إنشاء محمية رأس الخور للحياة الفطرية. وجود المحمية على مسافة قريبة من وسط دبي كان مفاجأة مدهشة لي وشجعني على زيارتها. مساحة دبي الصغيرة وجاذبيتها العقارية التي تحتل المركز الأول عالميا في الوقت الحالي يجعل من الصعب التضحية بأي مساحات يمكن تنميتها وتعميرها. لكن بلدية دبي آثرت مع ذلك المحافظة على هذه المحمية. ذهبت إلى محمية رأس الخور لرؤية طيور الفلامنجو «النحام» التي تتخذ من هذه المحمية موقعا لها. لا أدري إن كان تواجد هذه الطيور هناك بصفة دائمة أم فقط خلال استراحتها أثناء هجرتها السنوية من المناطق الشمالية الباردة في فصل الشتاء. كانت الطيور تقف في تجمعات كبيرة داخل المسطحات المائية الضحلة المتشعبة من خور دبي. المسطحات المائية محاطة بأشجار المانجروف الكثيفة التي تشكل جزءا هاما من البيئة المناسبة لنمو الروبيان وغيره من القشريات التي تشكل جزءا أساسيا من غذاء طيور الفلامنجو. تكتسب طيور الفلامنجو لونها الوردي الزاهي من أكل هذه القشريات. المحمية محاطة بشبك لمنع الدخول إليها إلا في نقطتي المشاهدة وهما غرفتان خشبيتان ذاتا نوافذ زجاجية لا تتسعان إلا لعدد محدود من الزوار. سألت الحارس المتواجد هناك لماذا تم إحاطة الممرين المؤديين إلى الغرفتين بسياج من سعف النخيل؟ أجاب: حتى نقلل من إزعاج الطيور بسبب وجود الزوار. لنفس السبب تم حصر حركة الزوار وتحديد ساعات الزيارة وعدم السماح للوفود الكبيرة بالزيارة إلا بترتيب مسبق. كانت المحمية تعج بآلاف الطيور التي تقف داخل الماء في مشهد بديع لتقتنص غذاءها. على الأفق ظهر خط البنايات الشاهقة ليرسم سماء دبي. شيء جميل أن تشعر تلك الطيور بالأمان وهي على مسافة ليست كبيرة من العمران. من غرفة المشاهدة الثانية كان هناك أنواع أخرى من الطيور بالإضافة إلى طيور الفلامنجو. بالقرب من محمية رأس الخور يقع مركز الصقور ويحتوي على متحف للصقور المحنطة إضافة إلى سوق نشط لبيع وشراء الصقور الحية، وقد ذكرني هذا المركز بمركز الصقور في أبها. دبي ليست الاستراحة الوحيدة على خط سير طيور الفلامنجو بل هناك العديد من المدن والمناطق البرية في شبه الجزيرة العربية، مدينتنا، جدة، على ما يبدو هي أيضا ضمن هذه المواقع. وقد أفادني أكثر من صديق عن وجود تجمعات كبيرة لهذه الطيور في الشتاء في بعض المناطق خارج جدة، كما تحتوي مزرعة الرفيعة بشمال جدة على سرب من هذه الطيور لا أدري بصفة دائمة أو فقط أثناء موسم هجرتها. وبالطبع تحتوي سواحل بلادنا الشاسعة حفظها الله على الكثير من المناطق التي تشكل استراحات مهمة لكثير من الطيور المهاجرة، أذكر من هذه المناطق محمية أم القماري في البحر الأحمر ومحمية الجبيل على الشاطئ الشرقي. أهنئ بلدية دبي على المحافظة على محمية رأس الخور كإضافة طبيعية مغايرة ولكنها مكملة للعمران الباهر في المدينة، وأتمنى أن تنعم هذه المحمية دائما بثقة زوارها من طيور الفلامنجو. كما أتمنى أن تحذو كل مدينة خليجية حذو دبي في الاهتمام بمساحات الحياة الفطرية التي قد توجد فيها أو بالقرب منها لأن هذه المساحات تضيف الكثير لبهجة المدينة وسعادة سكانها وزوارها.