-A +A
صالح بن علي التركي
إن أصعب المناسبات في تقديري هي مناسبات العزاء والوداع والرثاء فهي تأتي عادة على عجل بمقدار مفاجأة الفراق، ولذلك قد تبدو متناثرة لأنها تسجيل لانطباعات ومشاعر على المستوى الشخصي والإنساني.
إن سيرة الشيخ عبدالقادر الفضل في مجال التجارة والأعمال لا تحتاج لبيان، وما يستحق الاستدعاء بسرعة من سيرته فهو أنه اتخذ لنفسه منذ بداياته المبكرة شعارا بسيطا صادقا معبرا، التزم به طيلة مسيرته في درب التجارة والأعمال وهي (التجارة ليست شطارة) .. هذا الشعار البسيط يعكس أروع فضائل النفس الإنسانية عندما تحكم وتتحكم فى نشاط المال والأعمال، وهي فضائل الصدق والأمانة والحب والرحمة .. وقد كان (يرحمه الله) نموذجا لذلك.

المال ربما يعطي المرء مكانا في مجتمعه ولكنه بالقطع لا يمنحه المكانة .. ومكانة الشيخ عبدالقادر في عالم التجارة والأعمال مستمدة من تلك الفضائل البالغة الظهور في طبائعه وعنصرا أصيلا لازمه في كل أعماله وأقواله ومجالسه.
كان له مجلس صباحي يجتمع فيه بكل أحد وبأي أحد، أقارب، أصدقاء، معارف، ذوو حاجة .. يجتمع عنده الزوار فيسوي بين الجميع في الترحيب وحرارة الاستقبال وحسن الاستماع فلا يمكنك التمييز بينهم على اختلاف أقدارهم ومكانتهم الاجتماعية والمادية ... هذا في غير رمضان، أما في شهر رمضان فكانت مائدة إفطاره ممدودة للجميع وكثيرا ما ذهبت للإفطار هناك بغير موعد ولا دعوة .. وفي كل الأحوال كان يذهب إلى مجلس الشيخ عبدالقادر من كان بحاجة إلى معونة أو رأي إذ كانت له قدرة عجيبة على تطييب الخاطر وإغاثة اللهفة وشحذ الهمم واستنهاض القدرات .. كنت إذا نظرت إليه يتحدث تدهشك روح البراءة التي تخترق القلب بكل سهولة ف? تملك إ? أن تحبه وتثق به وتمتلئ نفسك بالسكينة والطمأنينة .. يتكلم بتلقائية وبلا تكلف ? في حركاته و? في عباراته ولا في القضايا التي يطرحها .. ولطالما اعتبرت مجلسه بمثابة (مجلس الأمن) لما ينتاب الحضور من مشاعر لطيفة بالأمان وأن الدنيا لا زالت بخير وأن هناك من هو مستعد لمد يد المعونة الخالصة والمشورة الصادقة.
كان سمحا متواضعا ذا حلم، لا يعرف الغضب، ذا قدرة عجيبة على التماس العذر للمسيء ويلقاه بنفس الوجه ونفس السماحة ونفس المجاملة الرقيقة حتى صار عند من يعرفه نموذجا للقول (من حلم ساد، ومن تفهم ازداد).
وأزعم أنه لا أحد ممن عرفه إلا وله أثر فيه صغر أم كبر فقد كان بمثابة الأب الروحي لكثير من رجال الأعمال وأنا واحد منهم .. وكان إن تعهد أحدهم بموقف أو نصيحة فكأنما أصبحت المشكلة مشكلته والقضية قضيته .. هذة الأبوة الروحية جعلتنا جميعا مشدودين إليه بخيوط من العطف والتشجيع والأمان .. خيوط شبيهة بخيوط المطاط بحيث لو ابتعدنا عنه فلا بد أن نعاود الاقتراب منه.
هذة الأمثلة البسيطة وغيرها قد تبدو للوهلة الأولى عادية وقد يعدها البعض عابرة أو غير معبرة عن قامة الشيخ عبدالقادر الفضل، ولكنها كمفاتيح البيوت لا تعبر عن اتساعها وإنما هي أدوات للنفاذ إلى دخائلها. ملمح أخير قد لا يعرفه كثيرون عن الشيخ عبدالقادر الفضل وإن كان ذو إشارة ودلالة على ما أودعه الله في قلب هذا الرجل من رحمة، ذلك هو اهتمامه الدائم بتوفير وتهيئة مقابر لموتى المسلمين !!.
رحم الله أستاذ أخلاقيات الأعمال عبدالقادر الفضل الذي بذل عمره مؤديا لواجب وطني وشرعي واقتصادي استلهمه من وعيه الصحيح بدينه وانتمائه القوي لوطنه وإحساسه العميق بمجتمعه والتزاما منه بمكارم الأخلاق.