-A +A
علي محمد الرابغي
جميل جدا بل شيء يبعث على الإعجاب أن تكون رسالة المنبر حيوية وآنية تتفاعل مع المجتمع وتجسد آماله وآلامه.. أريد أن أقول وبوضوح إن المنبر ينسجم ويتجاوب مع الأحداث التي هي الخبز اليومي.. قدر لي أن أكون ضمن الحاضرين لخطبة الجمعة للخطيب سعيد عبدالقادر العامودي خطيب مسجد (أمهات المؤمنين).. لقد برع وتجلى في تشخيص المرض الاجتماعي الخطير الذي له أبعاد على الترابط الأسري وعلى أخلاقيات المجتمع.. أترك المساحة الباقية من مقال هذا اليوم لخطبته.. إذ يقول: اللسان هو ملك البيان لا تنافسه فيه إلا الكتابة أو الإشارة وهما قليلتان.
الاتصال والتواصل الاجتماعي:

أما اليوم فإن كثيرا من النطق قد تحول من اللسان إلى الأصابع، فصارت أصابع بعض الناس تتحدث أكثر من ألسنتهم بما فتح الله على البشر من وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي.
إنها ثورة في التواصل قد غيرت الأخلاق والسلوك وأنماط التعامل بين الناس، حتى قلبت حياتهم رأسا على عقب، فالبيوت الحية بحديث أهلها صمتت كأنها خالية من أهلها، ومنتديات الناس للحديث والمؤانسة اتخذ الناس بدلا عنها مقاهي مظلمة كأنها مقابر، وحينما كانت الضوضاء تخرج من بيوت الأجداد والجدات في آخر الأسبوع إذ اجتماع الأولاد والأحفاد؛ ذهبت هذه الحيوية والنشاط فيأتي كل واحد منهم يتأبط جهازه؛ فيسلمون على بعض ثم يتخذ كل واحد منهم من كبير وصغير وذكر وأنثى زاوية من المنزل فيعيش بجسده مع أهله، وأما روحه وعقله فمع من يحادث في جهازه، حتى إنه ليكلم فلا يسمع، ويسأل فلا يجيب، ولا يتحرك من مكانه إلا بأن يتبرع أحدهم فيهزه أو يحول بيده بين بصره وجهازه، وربما غضب من ذلك.
إنها وسائل أدت في كثير من الأحيان إلى العقوق
وبسبب الإدمان على هذه الوسائل وما فيها؛ أعيد تشكيل عقليات الشباب والفتيات بعيدا عن والديهم وأسرهم ومعلميهم، فغلب على هذه العقليات التمرد والتفرد، والانعزالية والانطواء، وتثاقل الجلوس مع الأسرة، والسخط من كل شيء، حتى غدا إرضاء الوالدين لأولادهم من المهمات العسرة جدا رغم ما يغمرونهم به من المال والهدايا والهبات.
وسادت بهذه الوسائل أخلاق ليست سوية، وممارسات غير مرضية، ولا يقع حدث إلا وازدحمت مواقع التواصل بمقاطع ساخرة، أو تعليقات لاذعة، وقعها على أصحابها أشد من وقع السياط الحارة.
وهي من أمضى الأسلحة في نشر الأكاذيب، وبث الأراجيف، واتهام الأبرياء، وقلب الحقائق.. يكذب في خبر فيغرد به، أو يصنع صورة فينشرها وهي مزورة؛ فتبلغ كذبته الآفاق في ثوان معدودة، فيتضرر بها أناس أبرياء، وقد جاء في حديث الرؤيا أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه..قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى.. وقد فسر في الحديث بأنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.
وقد يكون الدافع لذلك إضحاك الناس؛ وقد جاء فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ويل له.
والناقل للكذب أحد الكاذبين، والراضي بالسخرية كالفاعل، فالحذر الحذر من اكتساب أوزار، وإذهاب حسنات بسبب هذه الوسائل، ويجب عدم الاستهانة بها؛ فإنها مورد بحر من الأوزار والآثام إن استخدمت في الشر؛ كما أنها مجال رحب لكسب الحسنات إن استخدمت في الخير، ولم تضيع الواجبات. (يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد).
وبعد أخي القارئ لعلك تصوب معي وتتفق إلى أن الموضوع جد خطير ومن هنا وانسجاما مع موضوع الخطبة.. يجب أن يهب الجميع في حراك لنعيد النظرة الموضوعية وفي شفافية لمعالجة هذا الشرخ والانقسام في الجسد العائلي.. والذي يتعداه إلى جرم المجتمع بكامله.. وحسبي الله ونعم الوكيل.