-A +A
منى المالكي
الأحلام العظيمة لا يليق بها إلا العظماء، والمسؤوليات الجسيمة لا تقوم إلا على أكتاف الرجال، وقد كان محمد الرشيد (وزير التربية والتعليم سابقا) ــ رحمه الله ــ من هؤلاء الرجال، عندما كان شعاره ــ يرحمه الله ــ «وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة»، كان يقصد ويعني ما يقوله، فأصبح هذا الشعار في كل مدرسة وأمام كل معلم ومعلمة يسيرون على هداه يدعمهم ويحفزهم لواجبهم الديني والوطني، ومع ذلك لم تكن الكلمات والتنظير همه ولا شغله الشاغل، كان يكفيه فقط أن يؤمن بما يقوم به ليتحول إلى واقع، وهذا ما عناه في ملتقى مكة أثناء اجتماعه بقادة العمل التربوي عندما قال «نحن لا نخرج بتوصيات نحن نخرج بقرارات»، من هذه القرارات أن أصبح اسم أهم وزارة تقف خلف صناعة المستقبل لأبنائنا وبناتنا «وزارة التربية والتعليم»؛ لأنه علم وعرف وأيقن أن ما سيعيدنا لقيادة العالم هي التربية والتربية العظيمة فقط!
لم يكتف بتغيير الاسم، تبعه إنشاء «وكالة التطوير» تلك الوكالة التي عنيت بالمناهج وتعديلها وإصلاحها بما يتوافق وروح العصر وعقليات الطلاب والطالبات، ولم يكتف بالتعديل والإصلاح فقط، بل قرر منهجي «التربية الوطنية والسلوك» لعلمه أن هذين المنهجين هما خلف تقدم الأمة العظيمة بسبب هذه التربية العظيمة، عقلية الرشيد التربوية كانت كما هائلا من العلاقات المنطقية المترابطة التي أولها يفضي لآخرها بسلاسة عقلانية مثمرة ومنتجة، لم يكن للعشوائية مكان، ولا للهدر الزمني أو المالي موضع، ولذلك كان الرشيد «شاغل الدنيا» وقتها مع ثلة من رجاله المخلصين.

ومن خلال هذا الفكر المتميز كان للإعلام حضوره القوي داخل الوزارة، ذلك الوحش الذي يخافه من لم يقدم شيئا ولم يعِ أنه مهما عمل لن يقدمه للناس بصورة صادقة وواضحة إلا إعلام جيد وقوي وصادق من داخل أروقة وزارته، وليس بشن حملات ضد الإعلام واتهامه بالكذب والتزوير، لم يقف عند هذا الحد فاهتم بثقافة منسوبيه كذلك من خلال ما يربطهم بعملهم التربوي التعليمي، فأعاد «مجلة المعرفة» للظهور مرة أخرى واشتركت المرأة في تحريرها والكتابة فيها مثل الرجل، وهذا الوعي لدور المرأة امتد لتمكينها إلى حد ما داخل الوزارة في عهده ــ رحمه الله.
وفي وصيته لأبنائه تتجلى الصورة الحقيقية لذلك التربوي العظيم، لم يكن يعني أولاده فقط؛ لعلمه أنه أب للجميع، فكانت تلك الوصية صورة صادقة عن وصايا سلف الأمة في التمسك بالتوحيد والحفاظ على مكارم الأخلاق، ذلك الرجل الذي لم يتهاون ولم يتراخ عن حلمه ورسالته تجاه دينه ووطنه، تثبت الشواهد كلها أنه ما زال وسيبقى حاضرا في عقل وفؤاد كل من استمع إليه وعمل معه، رحم الله محمد الرشيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه.