-A +A
علي حسن التواتي
يتعالى الضجيج بشأن مدى استمرار الدور السعودي كمنتج مرجح في سوق النفط العالمية، وذلك في ضوء التطورات التي طرأت على سوق النفط العالمية بثورة إنتاج الزيت والغاز الصخري في الولايات المتحدة التي مكنتها لأول مرة منذ أربعين عاماً من تصدر قائمة الدول المنتجة بـ22 مليون برميل من النفط/اليوم وما يعادله من الغاز. متجاوزة بذلك روسيا (21.8) مليون برميل من النفط وما يعادله من الغاز/ في اليوم، والسعودية بحوالى 14 مليون برميل من النفط وما يعادله من الغاز/اليوم.
ويعزز هذا الاتجاه في التحليل عدة عوامل منها أن إنتاج الدول المصدرة للنفط من خارج منظمة أوبيك نما بمقدار وصل إلى 1.1 مليون برميل/اليوم خلال 2013 ويتوقع له أن يتزايد إلى 1.7 مليار برميل بنهاية 2014. وأن بعض الدول داخل أوبيك مثل العراق سترفع صادراتها من 2.5 مليون برميل في اليوم حالياً إلى 3.5 مليون بنهاية 2014. ومن العوامل التي يشار إليها كثيراً في دعم هذا الاتجاه في التحليل تزايد استهلاك النفط محلياً في دول الأوبيك وفي السعودية على وجه الخصوص التي تحتفظ بنسبة لا تقل عن 25% بمتوسط وصل إلى 2.9 مليون برميل/اليوم لاستهلاكها المحلي.

ولكن إذا ما تحدثنا عن النفط وحده فإن الاحتفالية التي يتعامل بها المحللون الأمريكيون مع المسألة غير مبررة إطلاقاً، فالولايات المتحدة يزيد إنتاجها عن إنتاج روسيا بمقدار 1.5 مليون برميل/اليوم ولكنه لا يزيد عن إنتاج المملكة إلا بحوالى 300 ألف/برميل في اليوم فقط. فهذه الاحتفالية لا تخفي حقيقة الفاتورة البيئية الباهظة التي يدفعها المواطن الأمريكي من سلامة بيئته بسبب عمليات التفتيت والتكسير في الصخور التي تحدث خللاً كبيراً في بنية الطبقات الأرضية واختلاط النفط والغاز بالماء. كما أنهم يتجاهلون الطلب العالمي على النفط الذي سيقفز إلى 92 مليون برميل/ في اليوم خلال 2014 وأن حصة أوبيك في طريقها للتزايد عن الأربعين في المائة الحالية من السوق العالمية للنفط. كما يتجاهل المحللون المحتفلون أن أي تشبع بالنفط في السوق العالمية بسبب ضخ كميات تفوق الحاجة منه كما يجري حالياً سيضغط على الأسعار وهو ما سيحيد أولاً المنتجين الأمريكيين للزيت والغاز الصخري الذي يحتاج إلى (96) دولاراً للاستمرار في الإنتاج لشركة المسيسبي و(78) دولاراً لشركة إيجل فورد و(84) دولاراً لشركات داكوتا الشمالية في حين أن 70 دولاراً بالقيمة الحالية للدولار وربما أقل تكفي للنفط السعودي للاستمرار قائداً في سوق النفط العالمية وربما لسد العجز المتوقع في الإنتاج الأمريكي في حالة الانخفاض الطويل الأمد نسبياً.
ويصر الاحتفاليون الأمريكيون على تجاهل تصريحات وزير النفط السعودي علي النعيمي بارتفاع احتياطي المملكة من الغاز الصخري والمصاحب إلى 600 مليار قدم مكعب مرتفعاً من 287.84 مليار المثبتة لدى الوكالة الدولية للطاقة. ويتجاهلون الخطط الموضوعة لتكثيف استخدام الغاز في إنتاج الكهرباء وفي الصناعة وفي مقدمتها محطة الشمال التي يتوقع أن تضيء كافة مدن الحدود الشمالية وتشغل كافة مصانع الفوسفات وغيرها من الصناعات المتوطنة في المنطقة. كما يتجاهلون أن هناك تحولاً رئيسياً في استراتيجية المملكة النفطية من مجرد كونها منتجاً مرجعاً إلى منتج مرجح ثقيل تصعب زحزحته عن موقعه في السوق العالمية وذلك بتسريع الخطط المستقبلية للاستثمار في تطوير الحقول القديمة للنفط وزيادة إنتاجها بنسبة تصل إلى 8% سنوياً ما يتوقع أن يرفع طاقة الإنتاج السعودية بمقدار 1.75 مليون برميل في اليوم بحلول 2017. كما يتجاهلون مشاريع النقل العام الهائلة التي ستعمم على المدن السعودية خلال سنوات قليلة، ومشروع جامعة الملك عبدالله لإنتاج 50 مليون جالون من المياه المعذبة باستخدام الطاقة الشمسية.
وبالتالي لا يمكن النظر بعين واحدة لمسألة النفط العالمية فالحقائق دائماً ما يكون لها أكثر من وجه كالنظر لاعتزام أوبيك تخفيض صادراتها بمقدار 110 آلاف برميل في اليوم أو ما يساوي 0.5% إلى 23.8 مليون برميل/اليوم معظمها من السعودية حتى 9 نوفمبر والذي كان يدور حول 23.91 مليون برميل/اليوم حتى 12 أكتوبر الماضي، على أنه مؤشر على اتجاه لانخفاض هيكلي في صادرات أوبيك، في حين أنه يمكن النظر إليه على أنه اتجاه طبيعي للمنتج المرجح في تخفيض الإنتاج بسبب الانفراجات الحالية في مسألة الكيماوي السوري والنووي الإيراني والأمن الليبي والنيجيري وتفتيل إيران عضلاتها لاستعادة حصتها التصديرية بعد اتضاح فشل المقاطعة الأوروبية والأمريكية.
ولذلك يجب عدم الانسياق خلف التحليلات المسيسة المرسلة فبلادنا بخير وإلى خير إن شاء الله في المستقبل المنظور ولكن هذا لا يلغي ضرورة تسريع المشاريع القائمة وابتكار استراتيجيات جديدة لمزيد من توظيف أموال النفط في بناء قاعدة إنتاجية وتصديرية لا يكون للنفط فيها نصيب كبير..