-A +A
علي حسن التواتي
وصل إلى العاصمة البولندية وارسو يوم الاثنين 14 أكتوبر 2013 أول قطار بضائع قادم من مدينة سيشوان الصينية الجنوبية بحمولة وصلت إلى 43 حاوية شحن بعد رحلة استغرقت 12 يوماً قطع خلالها مسافة 9.826 كيلومترا عبر ثلاث دول هي روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان.
ورغم ما لهذا القطار من أهمية استراتيجية كبيرة في توصيل الصين بقلب أوروبا إلا أنه لم يكن الأول في ربط البلدين، فقد تم افتتاح خط سكة حديد آخر في إبريل الماضي بين شينجدو الصينية ولودز البولندية.

ويجري العمل الآن على قدم وساق لاستكمال متطلبات توصيل شبكة سكة حديد دول بحر البلطيق بالشبكة الأوروبية عبر وارسو التي أصبحت مجمعا هائلا للتوزيع والتبادل الأوروبي الصيني.
وبحسب خبراء في النقل والإمداد فإن تكاليف النقل بهذا القطار تقل بأربع مرات عن تكاليف النقل الجوي وتوفر نصف الوقت تقريبا في سرعة النقل عنها في السفن التي تستغرق في رحلتها من الصين إلى أوروبا من 24 إلى 30 يوماً، وهذا القطار يعتبر سريعاً بتوفيره 10 أيام من الوقت الذي يمكن أن يستغرقه أي قطار بضائع مشابه.
ولم تكتفِ الصين بهذا بل قضى رئيس وزرائها (زي جي بينج) معظم وقته الشهر الماضي متنقلاً بين دول آسيا الوسطى (تركمانستان وكازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان) وذلك لتوقيع عقود تجارية تخطت قيمتها 50 مليار دولار بحسب الإندبندنت وذلك لبعث الحياة من جديد في «طريق الحرير» التاريخي الشمالي الذي يبلغ طوله 4000 ميل.
وتشمل العقود الصينية خطوط أنابيب وسكك حديد واستكشافات نفطية في الدول الأربع لربطها اقتصادياً بالصين ولضمان إمدادات نفطية استراتيجية كافية ومستمرة.
ويبقى أن أشير إلى البعد الاستراتيجي الذي يعنينا في كل ما يجري. فبالإضافة إلى خطوط أنابيب نقل النفط والغاز الروسي لأوروبا والصين ونفق البوسفور التركي تؤسس أوروبا والصين عبر (يوراسيا) لتكامل اقتصادي مستقبلي لا يستهان به، ويتميز بالاستقلالية بالدرجة الأولى حيث استغلت الدول المستفيدة الضعف الأمريكي وخالفت الرغبة الأمريكية التي عبرت عنها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون قبل سنتين بسعيها لمرور طريق الحرير عبر أفغانستان، بل أبعدته شمالاً عن أي منطقة للأمريكيين فيها نفوذ كبير. وليس هذا فحسب بل استبعدت منطقتنا برمتها من مسألة التكامل هذه وقللت من قيمتها الاستراتيجية التاريخية كعقدة للمواصلات العالمية بين الشرق والغرب.
ومع سعي الولايات المتحدة الأمريكية الحثيث من جانبها للاستغناء عن استيراد نقطة نفط واحدة من منطقتنا بحلول 2020، ومع تزايد اعتماد الصين على مزيد من النفط الروسي والنفط القادم من دول وسط آسيا، لا بد أن أنبه إلى أن أهميتنا في استراتيجيات العالم قد تراجعت نتيجة جمود التنمية في دول المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، بل وتصاعد العنف المحلي والإقليمي على نطاق واسع وجنوح الدول القطرية التي لا يمكن وصفها بالقومية لعدم انضوائها تحت مظلة وحدوية بناءة إلى العزلة داخل الحدود وتركيز جلِّ الاهتمام على الأمن وتوجيه معظم موارد التنمية لتحقيقه.
لقد ترك العالم دول المنطقة بأفغانها وفرسها وعربها وكردها وغيرهم ليتفرغوا للتناحر والتنابذ وسفك الدماء وتحقيق الفتوحات الصغيرة والمكاسب الحقيرة في معاركهم المفتوحة فيما بينهم منذ أجيال وسعى حثيثا للاستغناء عن المنطقة ومن عليها وما عليها وحتى عن موقعها الاستراتيجي الذي كان هاماً، وتفرغ للتنمية والتكامل.
وإذا ما استمر حال التعاون والتكامل في المنطقة على المنوال الحالي أظن أن دول المنطقة سواء من تظن نفسها عظمى أو صغرى هي في طريقها للتشرذم والنقص المرعب في الموارد خلال سنوات معدودة لن تتخطى نهاية هذا العقد.
وختاماً أترككم مع كلمات معبرة لرئيس وزراء الصين في قرغيزستان عن حلمه الذي يتحقق ولن يلبث أن يصبح حقيقة ثقيلة على سكان منطقتنا من العالم وعلى بعض الدول الكبرى التي كانت مهيمنة وذلك حين قال بنبرة حانية «إنه يكاد يسمع صدى أصوات الأجراس المعلقة على أعناق الإبل بين الجبال، ويرى دخان طبخ طعام القوافل يتصاعد في الصحراء».