-A +A
علي حسن التواتي
وافق يوم الأحد الماضي مناسبتين عزيزتين إحداهما الذكرى الأربعون لنصر أكتوبر العربي المجيد على الآلة العسكرية الإسرائيلية والذي ظهر فيه للعالم بشكل جلي نموذج مما يمكن لهذه الأمة أن تفعله إن حصل الحدّ الأدنى من التضامن وصحت النوايا. أما المناسبة الثانية فهي «يوم المعلم» التي وإن بدت للبعض أقل شأنا من سابقتها إلا أنها في الحقيقة لا تقل عنها بل ربما تزيد لأن الأمجاد لا يصنعها جهلة أو أميون، ولذلك نجد أن كل من يحقق مجدا في أي مكان أو مجال يدين بشكل أو بآخر لمعلمه الذي هداه بعد ربه سواء السبيل.
ولا أضيف جديدا إذا ما ذكرت بفضل العلم والتعلم في ديننا الإسلامي الحنيف وكل ما يمكن أن أورده قد يكون مكررا أو منقولا من كتب التراث ومر على مسامع الناس حتى لم يعد له تأثير للأسف الشديد. ولذلك سأحاول هنا إيراد بعض الأقوال من ثقافات غير عربية أو إسلامية بحثا عن الجديد أو المقارنة فيما يقال عن المعلمين ومن يتعاملون معهم في مجتمعات أخرى غير مجتمعاتنا.

فهناك أرسطو الفيلسوف اليوناني الذي لا يجهله أحد ومقولته الشهيرة التي يعلي فيها قدر المعلم على قدر الوالدين «أولئك الذين يعلمون الأطفال أجدر بالتكريم ممن يلدونهم فهؤلاء يمنحونهم الحياة وأولئك يمنحونهم فن العيش بشكل جيد»
ويشبه هذا القول قول للإسكندر الأكبر أسطورة الحضارة اليونانية الذي بدا متأثرا بقناعات معلمه أرسطو حيث قال في تمجيد معلمه «أنا مدين لأبي بالحياة، ولكن لمعلمي بعيشها بشكل جيد»
وهناك (ويليام ارثر وارد) الذي يصنف المعلمين بقوله «المعلم دون المتوسط يشرح، المعلم الجيد يوضح، المعلم المتفوق يستعرض أما المعلم العظيم فيلهم».
ومثله في ذلك روبرت فروست الذي يوجز بكلمات قليلة ما يمكن أن يفعله نموذجان من المعلمين أحدهما يركز على الحشو بالمعلومات والآخر على الإبداع والإلهام حيث يقول «هناك نوعان من المعلمين: النوع الذي يضغطك حتى تعجز عن التحرك والنوع الذي بلكزك لكزة خفيفة تقفز بعدها نحو السماء».
وهناك (رث بيشيك) الذي يرى أن أهم صفة في المعلم يجب أن تكون حبه هو ذاته للتعلم «المعلم الذي يحب أن يتعلم يكون أقدر على مساعدة الآخرين على التعلم».
أما كونفشيوس فيلسوف الصين التاريخي القديم فيرى أن معادلة الحفاظ على عراقة الماضي مع تفهم متطلبات الحاضر من أهم ما يجب أن يتميز به المعلم «وقال السيد -المعلم الحقيقي هو الذي يحافظ على الماضي ويكون قادرا أيضا على فهم الحاضر».
وهناك من يحبب ابنه في المعلمين وينصحه باحترامهم والإنصات إليهم مثل نيكولاس سباركس الذي يقول في كتابه ـ عزيزي جون «إنهم يلهمونك، ويسلونك وفي نهاية المطاف تكتشف أنك حصلت على طن من المعلومات من حيث لا تدري».
ومن المشاهير من اهتم بشخص المعلم وخلفيته الثقافية وقناعاته ومضمون ما يقدمه في الفصل مثل (نيل ديغراس تايسون) الذي قال «اعترض الناس على أقوال معلم في نيوجرسي واعتبروها مخالفة للدستور، أكد فيها على أن التطور والانفجار الكبير ليست علمية، وأكد على أن نوحا حمل الديناصورات على سفينته. فهذه الحالة لا تفسر بالحاجة لفصل الدين عن الدولة، وإنما حالة توضح ضرورة فصل الجهلة والأميين علميا من صفوف المعلمين».
وفي هذا التوجه يشاركه (كارل مننجر) الذي قال «ماهية المعلم أكبر أهمية مما يعلم»
وهناك من يهتم بمظهر المعلم قبل الاهتمام بمضمون ما يعلمه مثل لوري أندرسون التي وصفت معلمتها وصفا طريفا قالت فيه «معلمة اللغة الإنجليزية لا ملامح لها، فشعرها متناثر بإهمال على كتفيها ولونه أسود من جانبي رأسها إلى أذنيها ثم يتحول للبرتقالي الفاقع حتى نهاياته المتكتلة. ولا أستطيع أن أحكم ما إذا كانت المعلمة على خصومة مع مرآتها أو أنها في طور التحول إلى فراشة ملونة ولذلك أسميها –المرأة الشعر».
ولكن هذه النظرة تقابلها نظرة (جانيت ويلز) التي ترفع شأن المعلمة إلى مصاف القادة وصناع الأمجاد بقولها «عرفت معلمات يتمتعن بشخصيات قوية وكان من الممكن أن يصبحن جنرالات أو رئيسات لشركات لو كن رجالا. فالتدريس أيضا يتطلب تدريبا منضبطا ولطالما اعتقدت بأن طريق التدريس مقدسة والمعلمين هم من يقودون أتباعهم فيها للخروج من الظلمات إلى النور».
ولعله من الطريف أن أختتم هذه المقالة بشكوى أزلية للمعلمين في كل المجتمعات بصرف النظر عن الأديان أو المواقع الجغرافية أو اختلاف فلسفات الحياة منذ ما قبل الميلاد حتى يومنا هذا من تلاميذهم والتي عبر عنها الفيلسوف اليوناني سقراط بعبارات موجزة جامعة ورد فيها «شبابنا الآن يحبون الترف، ويشوبهم سوء الأدب، وازدراء السلطة، بل ويظهرون عدم احترام لشيوخهم وتحلو لهم الثرثرة في مكان ممارسة الرياضة، ولم يعودوا ينهضون عندما يدخل كبار السن المكان؛ ويعارضون والديهم، ويقاطعون محدثيهم، ويصدرون أصواتا مقززة وهم يلتهمون الطعام التهاما، ويرهبون معلميهم».
فما أشبه اليوم بالبارحة وما أشبه المجتمعات الإنسانية في توجهاتها العامة. ولكن لا أملك في هذه المناسبة العظيمة إلا أن أشد على يد كل معلم ومعلمة في يوم المعلمين وفي كل يوم، آملا أن يكون فيما أوردت حافزا لهم لمزيد من العطاء ومراجعة النفس والسعي للتميز ففي تميزهم تميز لطلابهم ولمجتمعاتهم ولمساهماتهم التي لا تقدر بثمن إضافة كبيرة لمسيرة الحضارة الإنسانية.