-A +A
علي حسن التواتي
هذا تساؤل مشروع لكل من نوى الحج من داخل الديار السعودية وخارجها ولم تتح له الفرصة لأداء هذا الركن الهام هذا العام 1434هـ بسبب تخفيض النسب المخصصة للجميع بلا استثناء حتى للمواطنين السعوديين الذين شملهم التخفيض بنسبة 50% عن العام الماضي.
ولكن من قدر له أن يصل إلى البلد الحرام لن يكتفي بتقدير موقف قادة بلادنا الكرام بل سيدعو لهم بالتوفيق والسداد إن كان في قلبه ذرة من إنصاف، لأنهم حولوا مكة المكرمة إلى ورشة بناء قلما تشهد الإنسانية لها مثيلا.

وحين أقول مثل هذه العبارة التي تبدو مبالغا فيها أنا لا أتجاوز الحقيقة قيد أنملة، فتوسعة الحرم المكي الشريف التي يتوقع أن تنتهي أعمالها منتصف عام 2015م سترفع الطاقة الاستيعابية للحرم من بضعة آلاف إلى ثلاثة ملايين حاج في نفس الوقت وسترفع طاقة استقبال الحجاج على مدار الساعة من 48 ألف إلى 105 آلاف حاج/ الساعة، بمعنى أن 105 آلاف حاج سيتمكنون من الطواف حول الكعبة المشرفة في الساعة الواحدة وهي طاقة تزيد بأكثر من ضعفي الطاقة الحالية للمطاف.
ولذلك يتطلب العمل المكثف على مدار الساعة وأعمال الإنشاءات الجديدة وتطوير القائم منها وتحديثه، إشغال مساحات كبيرة داخل الحرم وحوله بالمعدات والمواد والرافعات وكافة معدات البناء التي قد تشكل خطورة كبيرة على حياة الحجاج إذا ما تزايدت أعدادهم ما تسبب في انخفاض طاقة الاستقبال بشكل مؤقت إلى 20 ألف/ حاج ومعتمر في الساعة وهي نسبة لا تتعدى 42% من طاقة الاستقبال التي سبقت بدء المشاريع.
ولم تكتف قيادة هذه البلاد المباركة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين بتطوير الحرم المكي منعزلا أو منفصلا عن كل ما حوله بل فتحت مسارات تنموية لا حدود لها لمكة المكرمة وفق رؤية واضحة واستراتيجية مدروسة يشرف عليها ويحدثها بشكل مستمر أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل وتقوم على فكرة الدوائر التنموية التي تبدأ من الدائرة الضيقة حول الكعبة والحرم فدائرة المنطقة المركزية فالمنطقة التي تليها وهكذا حتى تصل التنمية إلى كافة مدن وقرى منطقة مكة المكرمة بانسجام تنموي لا تبدو فيه مشاريع الحرم كقاعدة تنموية شاذة عن محيطها.
ولا أنسى حينما ولي الأمير خالد الفيصل إمارة منطقة مكة المكرمة عبارته الطموحة التي تعدت حدود الخيال حينها بأنه سيبدأ بالتنمية التي تدور حول الكعبة لنقل المنطقة في النهاية للعالم الأول. نعم لقد بدت العبارة حينها غريبة بالنظر لما يراه المرء حوله من واقع مرير للتنمية في المنطقة ولكن اندفاع الأمير لنقل طموحه إلى أرض الواقع كان جارفا كالطوفان، ولا أعلم من أين يأتي بالطاقة والوقت -اللهم لا حسد- لأداء أعماله التي يبدو أنها لا تنتهي وتتنافس بالجسامة والحاجة للمتابعة الدقيقة على مسارات متعددة.
وما نراه الآن في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة هو ورشة بناء لتطوير منطقة لا تقل مساحتها عن ثلاثة ملايين متر مربع موزعة على عدد من الأنشطة المختلفة منها فنادق وسكن فندقي ومراكز تجارية وأسواق وخدمات عامة بالإضافة إلى السكن الدائم لأهالي المنطقة والخدمات المتعلقة به. وتشمل هذه المساحة أحياء الشامية وجرول والقرارة والنقا. أما الأعمال فمنها ما أنجز وكان مذهلا بجمالياته المعمارية وخدماته ومنافذه ومنها ما لا يزال قيد التنفيذ ومنها ساعة مكة، وبوابة مكة، وجسور ومسارات قطار الحرمين، وجسر الجمرات، ومدينة الساحات الشمالية للحرم، وأنفاق لفصل حركة المركبات عن المشاة بمركزية الحرم المكي وإزالة 400 عقار لصالحها، وطـريـق للمشاة بعرض 40 مترا يخترق (جبل عمر)، ومزيد من التطوير لمنطقة الجمرات وتشجير عرفات، ومشروع تطوير منطقة جبل خندمة، والشراشف، ومشروع تطوير منطقة موقع مستشفى أجياد، ومشروع تطوير منطقة جبل الكعبة، ومشروع تطوير منطقة جبل عمر، ومشروع طريق الملك عبدالعزيز والمنطقة المحيطة به، ومشروع النقل العام لمكة المكرمة والمشاعر.
ولا أنسى أن أوجه عناية ضيوف بيت الله الحرام إلى أن طريق هذه التنمية التي تشهدونها في مكة المكرمة لم تكن معبدة أو مزروعة بالورود بل واجهت وما زالت تواجه عقبات كثيرة من أهمها رفض المستفيدين من العشوائية في التخطيط والإدارة للتجديد، لما يسببه لهم من خسارة لمراكز مالية أسسوها على الاستفادة من العشوائية والفوضى في التستر على أشخاص ونشاطات رمادية وسوداء على مدى أجيال. كما أن المواطنين المستثمرين في مكة المكرمة والمدينة المنورة يعانون حاليا من الخسارة نتيجة لانخفاض أعداد الحجاج والمعتمرين ولكن كل هذا يهون في سبيل مستقبل مشرق زاهر للمدينتين المقدستين.
وفي الختام، وحتى لا يظن أحد بأنني أسرد مسميات لمشاريع وهمية أحيل من يرغب في كافة التفاصيل اللازمة عن كل منها إلى موقع:
http://www.makkawi.com/Articles/SubDetails.aspx?ID=196 على الإنترنت ليتعرف عليها عن كثب ويعرف حجم ما يقدم لمكة المكرمة من دعم وإنفاق بهدف تحويلها إلى مدينة عصرية ذكية متكاملة الخدمات قادرة بإذن الله على قيادة منطقتها فعلا للعالم الأول في القرن الحادي والعشرين، ومؤسسة لقواعد وأنماط تنموية تحتذى على مستوى المملكة والإقليم.