-A +A
فؤاد مصطفى عزب
الكتب التربوية الأمريكية التي تعالج المواقف التربوية اليومية التي يواجهها الوالدان مع الأبناء إبداع لا حدود له، ودروس مثالية يمكن الاستفادة منها والاستعانة بها للوصول إلى عقل وقلب الطفل.. قضايا تربوية بالغة الجرأة تعالجها هذه الكتب.. تمكن الأب والأم من الحصول على التجاوب المطلوب من الطفل عند تطبيقها.. وتكسب القارئ المهارة والحنكة في ممارسة العدل بين الأطفال وتخفيف حدة تنافسهم وغيرتهم وشجارهم المستمر.. ولقد برع في هذا الفن المعقد الكثير من الكتاب الأمريكين ممن تجد متعة كبيرة وأنت تقرأ لهم، وذلك لقدرتهم الفائقة في طرح الأمثلة المباشرة والمعالجة العملية والحقيقية للموقف التربوي اليومي.. لديهم أسلوب تربوي رفيع ورشيق يشاركون القارئ في تفهم وتذوق تجاربهم ويتيحون له نتيجة وحصاد حياتهم في ميدان التربية. «نانسي سماني» مديرة مكتب إرشاد الأوصياء و«فنيست ونيسون» صاحب كتاب «كيف تكون حازما بالحب؟» والدكتور «هيم جنيو» مؤلف كتاب «بين الآباء والأبناء» من الأمثلة اللطيفة التي يطرحها «جينو» للتأكيد على أن الحديث مع الأطفال فن فريد يقوم على قواعد ورموز خاصة، وأن الأطفال نادرا ما يطرحون أسئلتهم بسذاجة لأنهم يتصورون من ورائها معاني تتطلب من الآباء والأمهات مهارة خاصة لفهمهما يمكنهم تعلمها لكي يصلو إلى إدراكها واتباعها فترتاح نفوس أبنائهم الحائرة، يقول الدكتور «جينو»: «دخل طفل في الخامسة من عمره الحضانة مع أمه نظر إلى رسوم الأطفال المعلقة وسألها بنبرة عالية: من الذي يرسم هذه الرسوم القبيحة؟ خجلت الأم من سؤاله وقالت له.. عيب أن تصف هذه الرسوم بالقباحة وهي جميلة جدا. لكن المدرسة كانت حاضرة وفهمت بالضبط ماذا يعني الطفل بسؤاله، فقالت له: ليس من الضروري أن ترسم في الحضانة رسوما جميلة.. باستطاعتك أن ترسم أيضا رسوما قبيحة إذا شعرت أنك تريد ذلك!! وارتسمت على وجه الطفل ابتسامة كبيرة لأنه حصل على الإجابة التي يريدها من وراء سؤاله، فهو يريد أن يعلم هل يضرب الطفل الذي لا يرسم بشكل جيد.. واطمأنت نفسه بعد إجابة المدرسة ثم سار في أرجاء الحضانة وعندما رأى لعبة مكسورة سأل أمه من كسر هذه اللعبة.. أجابت الأم.. لا تقل من الذي كسر هذه اللعبة فأنت لا تعرف أي طفل في هذه الحضانة كسر اللعبة.. وإنما اسأل عما سيحدث لو أنه كسرت لعبة بالمصادفة في هذه الحضانة.. كذلك قالت له المدرسة الألعاب هنا للعب وهي معرضة أحيانا للكسر، وبدا الارتياح واضحا على وجه الطفل لأنه حصل على الإجابة التي تمنحه المعلومات الضرورية التي يريدها لتطمئن نفسه خلال الفترة التي يقضيها في الحضانة، ومن المؤكد أنه قال لنفسه تبدو هذه المرأة طيبة لا تغضب بسرعة وتعاقب الأطفال هنا إذا رسموا رسوما قبيحة أو عندما يكسرون لعبة من الألعاب المتواجدة فلماذا الخوف.. إذن المكان آمن بالنسبة لي.. ثم لوح الطفل إلى أمه ودخل مع المدرسة ليبدأ أول أيامه في الحضانة!!».
معانٍ عديدة مضيئة تطرحها مثل هذه الكتب.. تختلف في فكرتها بالطبع عن فلسفة «لكم اللحم ولنا العظم» ومهارات خاصة نكتسبها قطعا بعد قراءتها حول نفسية وأسلوب تفكير وطرق التعامل مع الطفل.. الغريب أن تخلو مكتباتنا العربية من معالجة كثير من القضايا التربوية بجرأة العصر، والأغرب أن لا تتبنى دور النشر والمعرفة والثقافة العربية ترجمة وإعادة إخراج مثل هذه المؤلفات العالمية رغم أهميتها!!

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة