-A +A
علي حسن التواتي
لم أعود نفسي على متابعة تصريحات المسؤولين العموميين على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها تويتر. وحتى من وجدت نفسي أتابعهم لسبب أو لآخر لا ألبث أن أحذف صفحاتهم من قائمتي أيضا لسبب أو لآخر.
ولكن وقع نظري بالصدفة على تغريدة منقولة عن وزير التجارة الدكتور توفيق الربيعة يقول فيها إنه يشكر من يبلغ عن حالات الغش التجاري وقد أرفق مع التغريدة رقما اتصال هاتفي.

ولعل مثل هذه التغريدة تكفي لعدم متابعة المسؤولين لما تثيره في النفس من غبن وحسرات قد تدفع بقارئها للرد بطريقة تضعه موضع المساءلة. فالغش التجاري قائم ومتفاقم في أسواقنا بدءا من رغيف الخبز وانتهاء بأسواق المال والعقار. والإيحاء بقلتها من خلال نشر رقم اتصال هاتفي للإبلاغ عنها لا ينفي حقيقة تفشيها وعدم وجود اجراءات نظامية وقائية لمنعها ولا اجراءات جزائية موجعة لردعها.
لا بد أن الوزير يعلم أن الأصناف المشهورة من الحلوى المستوردة لبلادنا ليست هي الحلوى التي نشتريها من أسواق الدول الأخرى. وهذا ينطبق من حيث المبدأ على كافة السلع والخدمات في بلادنا كالسيارات والمواد الكهربائية والأغذية والعطور والأدوية و الاتصالات والتأمين وكل ما يتم جلبه لأسواقنا أو ينتج محليا.
ولا بد أن الوزير يعلم أن كل تاجر صغير أو كبير له سياسة خاصة في التعامل مع الزبائن يفصلها بنفسه وفق مصالحه ولا حسيب ولا رقيب. فهناك من لا يهمه رضى الزبون أبدا حد أنه لا يقبل إعادة البضاعة المشتراة ولو لبضع ساعات بدعوى الخوف من استعمالها حتى وإن لم تفتح مغلفاتها. والمؤسف في المسألة هو أن بعض هؤلاء التجار يستحوذون على ماركات وسلاسل متاجر عالمية معروفة في بلادها بالسعي لإرضاء المستهلك بسياسات ارجاع واستبدال متنوعة تصل إلى خمسة عشر يوما أو أكثر ولكن وكلاءها في بلادنا يحتقرون مواطنيهم بمصادرة حقوقهم بضمان الرضى عن البضاعة بتعليق لوحة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) دون خوف من رادع أو حياء.
وهناك تجار يتعاملون مع الزبون كصيد ثمين وكأننا في غابة أو فلاة فبمجرد أن يدفع فاتورة شراء أحد المنتجات من محلاتهم عليه ألا يحلم باسترجاع قيمته نقدا حتى لو أعاده قبل أن يغادر المحل وله أن يحصل على قسيمة شراء لإعادة الشراء بها من نفس المحل.
وهناك تجار يخلطون بين الوظائف الإدارية عن سوء قصد وذلك بإيكال عملية الاسترجاع إلى قسم المبيعات المختص بتسويق وبيع السلعة بدعوى قلة اليد العاملة فيصبح الخصم حكما وتبدأ المفاوضات المضنية مع الزبون والضغط عليه للتراجع والاحتفاظ بالسلعة وإن فشلوا في إقناعه تبدأ الاتهامات كأن يتهمونه باستعمالها وإعادتها أو التأخر ساعة أو اثنتين عن آخر موعد للإرجاع والأسوأ إذا كانت السلعة مرفوضة من زبون سابق ربما كان أحد البائعين في المحل ومعاد تغليفها وعندها تجده وقد برز لك من بين الصفوف ليقنعك بأنها مستعملة وما يلبث أن يثبت لك ذلك لأنه هو يعلم علم اليقين أنه هو من قام باستعمالها وإعادة تغليفها ويسهل عليه بالتالي إثبات ذلك.
البعض الآخر من التجار يجمع المواد الغذائية ذات الماركات العالمية المشهورة القريبة من انتهاء صلاحيتها من على رفوف المتاجر الغربية بربع قيمتها ويضع عليها ملصقا بتواريخ صلاحية جديدة ويبيعها بأغلى الأسعار على رفوف محلات البقالة الكبرى في طول المملكة وعرضها.
وهناك بضائع معمرة مثل السيارات والأجهزة المنزلية التي يتم استدعاؤها في كافة أرجاء العالم لإصلاح خلل مصنعي، ولكن في بلادنا لا يستدعى غير المنتج الذي تفوح رائحة استدعائه في وسائل الإعلام المختلفة أما الذي يسكت عنه فالتاجر والوزارة ساكتون. هذا إذا لم يطلع علينا الوكيل ببيان ساخن يسفه فيه الجميع ويؤكد سلامة منتجه كما فعل وكيل الحليب النيوزيلندي الملوث ردا على هيئة الغذاء والدواء.
وهناك نوع من التجار الوكلاء ممن يجيدون فن التسويف فلا يرفضون تقديم الخدمة ولكن عليك انتظار قطع الغيار أو وصول الخبير بدون تحديد جدول زمني أو اعطاؤك تاريخا بعيدا للانتظار دون الانتفاع من المنتج الذي ابتليت به. أما عن الأسعار فلا تسأل لأن التاجر هنا سيعاقبك على الحاحك وإحراجه بتغريمك قيمة قطع غيار أو اصلاح قد تفوق قيمة السلعة ذاتها حتى تتراجع عن الإصلاح أو تكتوي بنار الغلاء.
ثم يا معالي الوزير أين مختبراتكم إن كان لديكم مختبرات وأين جولات انتقاء العينات العشوائية من مختلف المنتجات وفحصها وأين الزيارات المفاجئة للتحقق من أن البضائع التي تباع هي المطابقة للمواصفات؟ وهل تعتقد أن إظهار النفس بمظهر الحريص على المصلحة العامة بتغريدات تستجدي التعاطف والاحترام مرفقة بأرقام اتصال يمكن أن يكون مجديا أو يعفي وزارتكم من تقصيرها الظاهر للعيان.