-A +A
فؤاد مصطفى عزب
• أبو وجدي الذي رحل مثل هذا الفجر ولم يكن أحد فينا يجرؤ على أن يقول له وداعا .. هل تذكرونه ؟؟
• هل تذكرون قطعة السكر التي ألقمها لنا الزمان فجعلت الوجود كله حلوا.

• هل تذكرون ذلك الكاتب الأسطوري الذي كان يمنحنا كل صباح مودة وشجنا وشوقا وخبزا وياسمين ويفتح سفارة حب جديدة كل يوم.
• من كان يغني لنا كل صباح على رصيف الأزهار ويغمز المعاني ليستدرجنا للحظة صفاء يومية.
• المبدع الجميل القادر دوما على اصطياد التفاصيل المدهشة والشخصيات التي تواجه الدنيا ليست مواجهة قدرية بقدر ما هي مواجهة إنسانية.
• من أحب الكلمة والقلم وعرف كيف يروضها ويحولها إلى حروف تكتب البوح وسُحب تهطل عسلا ونعاسا وماسا جميلا وربيع يلغي الخريف وزجاجة عطر تعيد النسيم للنفوس كرائحة حبق خجولة.
• عبدالله الجفري من كان يطرق أبوابنا كل يوم بلا موعد في «نقطة حوار» ويأخذ قلوبنا بلا استئذان في «ظلاله».
• من جعلنا نوقع على صك الاستسلام لحبه بلا نقاش.
• من عاش الأرض والموقف وشبه الأرض بلا موقف كمن باع جسدا في ناصية الرخص.
من كان ينصحنا دوما بتحاشي الهم والبعد عن الوهن وتعاطي العشق والأشواق واستنشاق الصبر وتنقية الحب في الكيروسين نعم أذكركم اليوم بأبي وجدي وأنا أعلم أنه أغلى من أمواج النسيان وأقوى من أن يمحى من الذاكرة فهو خالد خلود كلماته ومعانيه.. عبدالله الجفري سيد الكلمات وصديقي الذي جمعت دموعي يوم موته لتكون بحجم فقدة ولم أفلح وحاولت أن افلسف رحيله حتى اتجرع صدمة الرحيل وعجزت لأواجه بعد ذلك مرحلة العجز المطلق حيث تعيش الحياة بلا صديق جمعتك به أيام كثيرة وفقدته.. كل الأسى أن تفقد صديقا حقيقيا .. فإذا كان لديك ابن تفخر به فتفخر به أمام صديق .. وإذا عشت فرحا فستعيشه مع صديق .. وإذا أصابتك مصيبة فلن يخففها سوى حضور ومساندة صديق.. الحياة بلا صديق هي مقبرة كبيرة.. بيت بلا ورد.. تفاحة ضجر.. تعب.. كان عبدالله الجفري الصديق الذي يرطب أيامي وكان آنسا لنهارتي.. لم يمر يوم طوال معرفتي به دون أن نتواصل أو نلتقي أو نسافر أو نضحك.. نعم كنا نضحك كثيرا كنا اثنين في فرح وكنا سعداء معاً.. كنا لا نبكي إلا على غناء وصوت فيروز وكنا نتقاسم القهوة والرغيف والجزء من اللحظة رغم تقلب الأمكنة والظروف.. كنت أشتري له وردا كلما زرته فقد كان يحب الورد والحياة ومنذ رحيله لم يدخل الورد بيتي.. ببعده تضاعفت وحشتي وقتامتي.. رحل الجفري وترك بقايا صور.. بقايا قلب.. بقايا شجن وحزنا مقيما وإيمانا سافرا، إن كثيرا من الحب يفضي إلى الاكتئاب عند الفراق وأن الفراق يطفي وهج الروح.. لازلت كلما افتقده أسافر إلى قبره منفردا غير محتاج إلى أن يرافقني أحد لإرشادي حيث قبره فرائحة أبو وجدي لا يخطئها القلب لا تزال عالقة في كل حنايا الذاكرة.. سلام عليك يا سيدي فقد علمتني أن ما نحياه عدم وأن ما نمارسه عبث وأن ما نتلذذ به عرض زائل وأن ما نفرح به أحياناً لا يدوم وأن كل الطرق لا تؤدي إلا إلى الحزن..