-A +A
علي حسن التواتي
لتذكير من نسوا أو تناسوا قرار الأمم المتحدة طيب الذكر 242 الذي صاغه السفير البريطاني لدى المنظمة الدولية على إثر نكبة الأيام الستة التي حلت بالعرب سنة 1967 والذي تم اختياره من بين خمس مسودات كانت مطروحة للنقاش وأقر في مجلس الأمن بالإجماع يوم 22 نوفمبر 1967 واحتوى على مادة كانت وما زالت مثيرة للجدل وردت بالنص الإنجليزي بهذا الشكل: «Withdrawal of Israel armed forces from territories occupied in the recent conflict» ولكن هذا النص ورد في النسخة العربية كالتالي: «انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير» والفرق بين النصين هو في تجاهل حرف الوصل الإنجليزي «The» المكافئ لأل التعريف العربية في بعض الحالات. ولكن باعتبار أن النص الإنجليزي هو المعتمد رسميا في القرار، وفي ذلك النص لم ترد أل التعريف حسبما ورد في ملاحقه، فقد كانت أل التعريف في النص العربي للاستهلاك المحلي في البلاد العربية.
ومنذ ذلك اليوم وحتى هذه اللحظة تتمسك القيادات الإسرائيلية جيلا بعد جيل بهذا القرار الذي لا يلزمها بالانسحاب الكامل غير المشروط من «كافة» الأراضي المحتلة في 67 ولكن من «أراض» يمكن التفاوض بشأنها من حيث الأهمية والمساحة والاستخدام. والغريب أن العرب ما زالوا يتمسكون أيضا بنفس القرار باعتباره يقر حقهم بالانسحاب من الأراضي ويقر بأنها محتلة.

ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتعرض فيها العرب للتآمر في ما يختص بأراضيهم المحتلة من إسرائيل فقد سبق لمندوب جامعة الدول العربية أن وقع على خرائط التقسيم التي أعطت إسرائيل قرى وأراضي فلسطينية إضافية لم تتمكن العصابات الصهيونية من احتلالها بالقوة سنة 1948.
واليوم يعيد التاريخ نفسه. يأتي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للمنطقة في ظروف لا تختلف كثيرا عن الظروف التي أقرت بها الهدنة سنة 48 ووقع فيها قرار التقسيم ولا عن الظروف التي خلقتها هزيمة 67 وأجبرت العرب على قبول قرار كارادون. بل إن الظروف الحالية أسوأ بكثير لأن الأمة العربية تتآكل من الداخل في حروب أهلية طاحنة تأخذ أشكالا وصيغا متعددة. وبعد عدة جولات واجتماعات مع رأس السلطة الفلسطينية في رام الله وبعض الأطراف العربية في عمان يتوصل إلى اتفاق لاستئناف المفاوضات بتنازل الفلسطينيين عن شروطهم التي توقفت المفاوضات بسببها لأكثر من ثلاث سنوات وهي وقف الاستيطان، وإطلاق أعداد من الأسرى والأسيرات الفلسطينيين كبادرة لحسن النية، واعتبار حدود 67 أساسا لأي مفاوضات مقبلة بين الطرفين. فقد أعلنت إسرائيل بما لا يدع مجالا للشك بأنها لن تقبل بحدود 67 مهما كلف الأمر وأنها لن توقف الاستيطان.
ويبقى أن نعرف أن كيري في إعلانه عن الاتفاق في مؤتمره الصحفي في عمان أكد على أن الطرفين ائتمناه على كافة بنوده وأنه يحتفظ بحقه في عدم التصريح. ولكن ما رشح من المصادر الأمريكية فيما بعد أشار إلى أن إسرائيل ستطلق سراح «بعض» الأسرى ممن أسروا قبل 1993، سنة توقيع اتفاق أوسلو، ومضى على سجنهم أكثر من عشرين عاما كحد أدنى. وقد يكون هذا الإطلاق بهدف تحميل السلطة الفلسطينية تكاليف الإنفاق على رعايتهم الصحية والمعيشية في شيخوختهم للتوفير على الخزينة الإسرائيلية.
ومما رشح من الاتفاق أيضا أن الطرفين وافقا على مبدأ «تبادل الأراضي» ما يعني التراجع عن الإصرار على كافة أراضي 67، واستبدل بالمطالبة بدولة تقوم في حدود أراضي 67 «within territories occupied by Israel in 1967» وليس على أراضي 67، ولعل هذا ما دفع بكيري للحديث عن سرية التفاهم حتى لا يحرج الطرف الفلسطيني.
ورغم أن سيبي ليفني مسؤولة التفاوض الإسرائيلية وصائب عريقات مسؤول التفاوض الفلسطيني سيلتقيان في واشنطن الأسبوع القادم للتوصل إلى تفاهم لم يحدث أصلا، علينا ألا نتفاءل كثيرا لأن الفلسطينيين سيدخلون في مفاوضات دون الحصول على أية ضمانات في المقابل ما يعني تقديم طوق النجاة للقيادة الإسرائيلية التي بدأت تحس فعلا بوطأة العزلة الدولية، وقد تعني أيضا إجهاض عضوية دولة فلسطين الكاملة في الأسرة الدولية كما هو مقرر في سبتمبر القادم أو تأجيلها والتسويف بشأنها إلى أجل غير مسمى والأهم من كل ذلك قطع الطريق على تهديدات الفلسطينيين المتتالية بالتوجه بقضيتهم إلى المنظمات الحقوقية العالمية مثل محكمة العدل الدولية ومحكمة الجزاء في حال الحصول على العضوية الكاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة كدولة تقوم على كافة الأراضي المحتلة سنة 1967.