-A +A
علي حسن التواتي
بعد محاولتين سابقتين فاشلتين تمكن الاتحاد الأوروبي من تحقيق الإجماع بكامل أعضائه الثمانية والعشرين على مقاطعة (الجناح العسكري لحزب الله اللبناني). وقد بني القرار على معلومات قدمتها بلغاريا عن مسؤولية الحزب عن مقتل ستة سياح إسرائيليين على أراضيها العام الماضي واعتراف عميل للحزب بتكليفه بجمع معلومات عن كل ما يخص الإسرائيليين في قبرص سواء من حيث وسائل النقل أو السكن أو الغرض من وجود أي منهم في الجزيرة.
يضاف إلى ذلك ما رآه العالم مؤخراً من تدخل سافر في الشأن السوري بإرسال آلاف المقاتلين عبر الحدود الدولية لمختلف المناطق السورية للقتال إلى جانب النظام وقوات الحرس الثوري الإيراني لفرض معادلة هيمنة طائفية لصالح إيران على حساب كافة القوى الوطنية السورية الأخرى.

ويلاحظ على القرار اقتصاره على الجناح العسكري لحزب الله وعدم تعرضه للتنظيم الرئيسي الحاضن والممول والمحرك لهذا الجناح الذي يعتبر أحد أهم أذرع فرض الهيمنة الإيرانية إن لم يكن أهمها على الإطلاق في ضوء النفوذ المتزايد للحزب في بلاد الشام وجرأته على التحرك العسكري عبر الحدود اللبنانية لعدد من الدول المجاورة والبعيدة.
كما أن القرار لم يحدد بعد آليات التفريق بين الجناح العسكري والتنظيم السياسي للحزب ولا الأشخاص والمؤسسات والحسابات التي قد تشملها المقاطعة أو التجميد أو المنع من السفر.
ويبرر الأوروبيون ذلك بأنهم مهتمون بإبقاء قنوات الحوار والاتصال مفتوحة مع الحزب الذي لا يمكن تجاوزه بسهولة في حسابات معادلة التوازنات السياسية في لبنان والتي تنعكس في مساهمته بعدد من الوزراء التنفيذيين في الحكومة اللبنانية وتملكه لعدد من الأصوات الكافية لتعطيل كافة قراراتها في مجلس النواب. هذا بالإضافة إلى استجابة بعض الدول الأوروبية لنداءات من الدولة اللبنانية بتجنب مقاطعة الحزب الذي يعتبر رقما صعبا في الحفاظ على التوازنات اللبنانية القائمة وعدم اللجوء إلى أية إجراءات حادة قد تخل بتلك التوازنات التي تهتم بعض الدول الأوروبية باستمرارها خشية قدح شرارة حرب أهلية قد تؤدي إلى تواجد مكثف لجماعات جهادية مسلحة أو منتمية للقاعدة على حدود إسرائيل الشمالية.
ولذلك يعتقد عدد من المراقبين الغربيين بأن قرار المقاطعة هذا سياسي بالدرجة الأولى وأشبه ما يكون بقرارات الشجب والاستنكار المعروفة ما لم تصحبه إجراءات سريعة وملموسة على الأرض. ومثل هذه الإجراءات مستبعدة حالياً لأسباب متعددة من أهمها ما أشرت إليه آنفا من الحاجة لتحديد الآليات اللازمة للتفريق بين الحزب وذراعه العسكري ما يتطلب وقتا طويلاً لإقراره.
ولعل هذا ما سوغ لزعيم حزب الله التعامل باستخفاف مع القرار ووصفه بالرمزي بل وشجبه والإعلان عن عدم تؤثر حزبه بأي من تبعاته وأنه لن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى فرض عزلة دولية عليه.
ولا أظن أن زعيم حزب الله قد جانب الصواب في موقفه فحتى لو صعد الاتحاد الأوروبي من إجراءاته حد مقاطعة الحزب نفسه بدل الاقتصار على مقاطعة جناحه العسكري فإن هذا لا يكفي في ظل الأوضاع الراهنة واحتفاظ الحزب بعلاقات ممتازة مع روسيا والصين وبعض القوى الإقليمية والعالمية المؤثرة الأخرى. فالعالم اليوم أصبح أوسع من نطاق سيطرة أمريكا والاتحاد الأوروبي.
ولذلك ما لم يصدر قرار من الأمم المتحدة بإدانة حزب الله وإعلانه منظمة إرهابية مدعوما بإجراءات محددة بمقاطعة دولية للحزب على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية فلا أظن أن مثل هذه المقاطعات الجزئية ستكون مجدية، فأمريكا على سبيل المثال تقاطع الحزب مقاطعة تامة منذ ثبوت مسؤوليته عن مصرع جنود المارينز في لبنان سنة 1983 وتعززت تلك المقاطعة بعد حرب 2006 بين الحزب وإسرائيل، ولكن تلك المقاطعة لم تؤثر على الحزب بل ازداد قوة على مر الأيام والسنين ولم يعد بحاجة للتقية المذهبية التي اعتمدها عقودا طويلة لإخفاء وجهه الطائفي البشع وسعى حثيثاً إلى رهن إرادة دول المنطقة بالمصالح الإيرانية موظفا لتحقيق هذا الهدف كل ما يملك من أسباب القوة بما في ذلك الإرهاب والأعمال الحربية فاستطار شره في كافة الاتجاهات ولم يسلم منه قريب أو غريب.
@alitawati