-A +A
علي حسن التواتي
غادر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري القدس المحتلة يوم الأحد الماضي بعد أن فشل في تحقيق اختراق كان ينشده في استئناف محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية المتوقفة منذ 2011.
ورغم علم الوزير كيري بأسباب توقف المفاوضات بين الطرفين والتي تختصر بإصرار الإسرائيليين على الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967 وعلى تهويد القدس الشرقية، ورغم استقبال الوزير الحافل من قبل الإسرائيليين بالمصادقة على بناء 930 وحدة استيطانية في القدس الشرقية وتوسعة بعض المستوطنات القائمة حاليا في الضفة، إلا أنه قضى ثلاثة أيام كاملة في محاولات يائسة للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات تضمن استئناف المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين من دون شروط مسبقة قبل حلول الموعد المحدد لافتتاح جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي يتوقع أن تمنح فلسطين وضع الدولة كاملة العضوية على كافة الأراضي المحتلة منذ 67 وعاصمتها القدس الشرقية.

والشروط المسبقة التي يتحدث الطرفان الأمريكي والإسرائيلي هي ليست شروطا بالمعنى الحرفي للكلمة ولا تزيد على كونها مطالب مشروعة لتوفير بيئة تفاوضية مناسبة وتختصر في نقطتين فقط هما وقف الاستيطان، وإطلاق أعداد من الأسرى والأسيرات الفلسطينيين كبادرة لحسن النية.
ونذكر هنا بأن جون كيري لا اعتراض لديه على الاستيطان الإسرائيلي ويؤيد نهج نتنياهو للسلام من خلال تعزيز «السلام الاقتصادي» وسبق أن رفض التصريح علانية عن أية مطالبة لإسرائيل بتنفيذ التزاماتها الدولية في ما يتعلق بتجميد الأنشطة الاستيطانية غير القانونية أو الإعلان عن قبول مرجعية المفاوضات على أساس حل الدولتين على حدود 67.
ولذلك تبقى مسألة توقيت الزيارة، فقد يتبادر للذهن لأول وهلة أنها تتم في هذا الوقت بالتحديد استباقا للموعد المحدد لجلسات الجمعية العمومية للمصادقة على قيام دولة الأمر الواقع الفلسطينية التي ستضع إسرائيل في مأزق حرج في مواجهة المجتمع الدولي وتفتح المجال واسعا للفلسطينيين بصفتهم ممثلي دولة محتلة ذات سيادة في التردد على مختلف المنظمات الدولية وتصعيد مطالباتهم الشرعية والقانونية أمام محكمة العدل الدولية ومحكمة الجزاء وكافة المنظمات الحقوقية والإنسانية ما سيؤدي في النهاية إلى عزلة خانقة لإسرائيل وحرق لمعظم أوراق اللعبة في يد قيادتها.
ولكن قليلا من التأمل يجبرنا على استبعاد مسألة ضغط الوقت على الإدارة الأمريكية وإسرائيل لبدء مفاوضات مباشرة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني قبل سبتمبر لاستخدامها كورقة ضغط في تأجيل مسألة العضوية الفلسطينية وذلك من منطلق أن هذا الموعد ليس بجديد ومعروف منذ أشهر. ولذلك علينا التفكير في مسألة توقيت زيارة كيري التي يبدو أنها أقرت على عجل واستغرقت وقتا طويلا زاد على 72 ساعة من وزير خارجية الدولة الكبيرة في محاولته للحصول على تعهد فلسطيني باستئناف المفاوضات مع غض الطرف عن المشاريع الإسرائيلية الاستيطانية التي تعرقلها حتى الآن.
فالزيارة تأتي في توقيت غريب جدا، من وجهة نظري، لتزامنها مع تعمق الانقسام الفلسطيني حتى على مستوى السلطة الفلسطينية ذاتها في ضوء استقالة رئيس الوزراء الذي لم يمض على تعيينه أسبوعين، واشتعال الشارعين المصري والتركي، وتسخين جبهة حمص السورية، ونقل السلطة في قطر وإيران، وأحداث أخرى في باقي دول المنطقة لا تمنح الفلسطينيين موقفا تفاوضيا قويا.
ولعل في هذا التوقيت تفسيرا كافيا لاعتقاد الوزير كيري بإمكانية تحقيقه اختراقا رئيسيا في ملف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وفيه تفسير أيضا لتصريحات الرئيس أوباما أثناء زيارته للقدس في وقت سابق بأن على العرب أن يقدموا تنازلات من أجل السلام، وانتظار إدارته كل هذا الوقت للضغط بقوة لتحريك هذا الملف.
ولذلك أخشى في ليل هذا الواقع العربي والفلسطيني الحالك السواد أن تنهار مقاومة المفاوض الفلسطيني تحت الضغط الأمريكي القوي أو إغراءات «السلام الاقتصادي» المزعوم فيوافق على استئناف مفاوضات عقيمة في هذه الفترة الحرجة والظروف الدقيقة التي تمر بها معظم الدول العربية دون الحصول على أية ضمانات في المقابل لأن مثل هذه الموافقة تعني تقديم طوق النجاة للقيادة الإسرائيلية التي بدأت تحس فعلا بوطأة العزلة الدولية، وقد تعني أيضا إجهاض عضوية دولة فلسطين الكاملة في الأسرة الدولية كما هو مقرر في سبتمبر القادم أو تأجيلها والتسويف بشأنها إلى أجل غير مسمى.