-A +A
علي حسن التواتي
كنت أنوي الاكتفاء بالمقالتين السابقتين عن ميناء جدة الإسلامي لولا بعض الاستفسارات التي وردتني من قـراء وأصدقاء عن تصوري لشكل ودور الميناء في تشكيل مستقبل مدينة جدة واقتصادها المحلي الذي هو بالطبع واحد من أهم روافد الاقتصاد الوطني، وذلك بصفته ميناء البوابة العالمية الكبرى التي تنفتح على الحرمين الشريفين.
حسنا ــ يا أصدقائي ــ لنحلم معا بمستقبل وردي للميناء إن كان حلما، ولنحكي حلمنا لأصحاب القـرار ليفسروه وربما لينظروا في إمكانية تحقيقه إن كان ممكنا.

لنتصور ميناء جدة (مدينة كبيرة) يمكن أن تمتد على شاطئ جدة الجنوبي مسافة لا تقل عن 50 كيلومترا، وتشمل منطقة المستودعات وكل المرافق الحكومية وميادين التدريب الموجودة الآن بعد أن أصبح العمران يحيط بها من جانب.
وأعتقد أن في نقل المرافق التي أشرت إليها إلى الليث والقنفذة فوائد جمة، منها ضمان الوحدة المكانية ووحدة الإدارة للميناء بدلا من المضي قدما في التوجه نحو بناء موانئ مساندة في الليث أو غيرها، ومنها فتح الجنوب الساحلي لجدة لمزيد من التطويـر والتمدد التنموي المدني، ومنها التنفيس عن الميناء الذي تطفح جنباته حاليا بما فيه، ومنها التخفيف بشكل كبير من أزمة المـرور لأن معظم المرافق والحركة ستكون في حدود الميناء. وأخيرا، تحويل الليث والقنفذة بصفتهما جزءين عزيزين من منطقة مكة المكرمة إلى مراكز جذب استثماري وسكاني جديدة تخفف من التكدس والتزاحم التنموي في جدة وشمالها وفي مكة المكرمة أيضا بعد تنفيذ مشاريع الإزالة والتطويـر فيها.
أما (مدينة الميناء) المقترحة فيمكن أن تحتوي على مزيد من المرافق للأغراض القائمة حاليا. فيمكن مثلا توسيع منطقة الإيداع والمستودعات وزيادة عدد الأرصفة والتجهيزات الفنية وذلك لزيادة وتعزيـز الطاقة الاستيعابية للميناء. كما يمكن أن تحتوي على مرافق سكنية وسياحية مكتملة الخدمات بالفنادق والمطاعم والمرافق والنشاطات البحريـة والمساندة لإمكانات تحويل الميناء إلى واجهة بحرية فريدة من نوعها في العالم.
كما أتصور مدينة الميناء وقد استوعبت مرافق خاصة لاستقبال القطار المحوري الذي يربط غرب المملكة بشرقها وبدول الخليج لتسهيل حركة نقل البضائع واستيعاب تجارة الترانزيت عبر الميناء من ميناء جبل علي وباقي الموانئ الخليجية لتلافي مضيق هرمـز عند الضرورة. كما أتصور قطار الحرمين وقد اخترق مدينة الميناء ووجد فيها مرافقه الخاصة التي يمكن أن يستفاد منها في حركة التصديـر والاستيراد البري من وإلى جنوب المملكة واليمن إذا ما تم استكمال مده جنوبا ومن وإلى البلاد العربية الشمالية وأوروبا إذا ما تم استكمال مده شمالا وتوصيله بالشبكة الأردنية.
وأتصور مدينة الميناء وقد استوعبت مرفأ خاصا بالسفن السياحية وسفن نقل الركاب والعبارات والبضائع بين المدن الموانئ السعودية والموانئ الأخرى على ساحلي البحر الأحمر.
وأتصور أيضا إنشاء أكاديمية بحرية في مدينة الميناء تحت إشراف كلية علوم البحار في جامعة الملك عبدالعزيز للتدريب على الملاحة البحرية والإرشاد وتشغيل معدات الموانئ وصيانة المرافق وقيادة السفن وصيانتها وتشغيلها ودراسة الأحياء والأنواء البحرية لتصبح الأكاديمية الذراع التطبيقية للكلية..
كما أتصور مدينة الميناء وقد اكتملت بالمختبرات الطبية والنوعية لضمان سلامة الواردات الغذائية والتأكد من مواصفات كافة الواردات الأخرى على أن تتوافر مرافق في الميناء لتعديل المواصفات كما هو الحال في الموانئ الكبرى بدلا من مجرد رفض دخول الشحنات والأمر بإعادتها للمصدر دون اهتمام بما يتسبب به مثل هذا الإجراء من ضـرر للتاجر..
وفي الختام، أظن يا أصدقائي بأننا حلمنا بما فيه الكفاية بشأن مستقبل الميناء والأمل بالله أن ينظر المسؤولون بعين العطف لحلمنا فلعل فيه جوانب قابلة للتطبيق بعضها في المدى المتوسط وبعضها في المدى البعيد. ولا أرى ضـررا في تشكيل هيئة عليا للنظر في ما طرحناه فلعل فيه خيرا كثيرا للبلاد والعباد..