-A +A
علي حسن التواتي
في الجزء الأول من هذه المقالة أشرنا لمطالبة مجلس الشورى لإدارة المؤسسة العامة للموانئ بسرعة التعامل مع تزايد الواردات عبر موانئ المملكة بحلول (سريعة ومتوسطة المدى)، ودراسة تحويل المجالس الاستشارية في الموانئ إلى مجالس وإعطائها صلاحيات أكبر.
ولنبدأ بالمطالبة الثانية على المستوى الإداري التي تؤكد وجود مركزية في إدارة المؤسسة وحاجة الموانئ لتطوير تنظيم إداري لا مركزي في التنفيذ على الأقل مع توفير المتطلبات المالية والإدارية وكافة العناصر اللازمة لإدارات الموانئ للتعامل مع المستجدات بسرعة وفعالية.

ولكن من جانب آخر وبافتراض استجابة مجلس إدارة المؤسسة لمطالبة الشورى وتحويله للمجالس الاستشارية إلى مجالس للموانئ وإعطائها من الصلاحيات ما يكفيها، فمن يوجه مصلحة الجمارك والأجهزة الرقابية والأمنية إلى تسريع إجراءاتها أيضا. فالتقصير في الموانئ كما أشار رئيس مجلس المؤسسة لا يمكن أن يلقى على عاتق المؤسسة وحدها مع وجود جهات أخرى قد تتضارب مصالح العاملين فيها مع مصالح المؤسسة ويمكن أن تتسبب في تعطيل أعمالها. وبالفعل فإن مصلحة الجمارك لا سلطان للمؤسسة عليها ولها طرقها وأساليبها الخاصة في إدارة أعمالها وبعض هذه الطرق والأساليب والمتطلبات قد تكون نظامية معقدة أو غير نظامية تفوح منها رائحة الفساد. وهذا هو بالضبط ما يجبر العديد من التجار على ترك بضائعهم والاستغناء عنها بسبب انعكاس تلك المتطلبات والغرامات والأرضيات على أسعار البضائع المستوردة فتفقد جدواها ومردودها فيصبح تركها أجدى. ولذلك لا بد من إيجاد صيغة تكفل للجميع أداء أعمالهم على الوجه المطلوب وتكشف المقصرين، وأقترح أن تكون هيئة تنسيقية ورقابية دائمة في كل ميناء تشترك فيها كافة الجهات ذات العلاقة إضافة للمباحث الإدارية.
وبالنظر للتوصية الأولى وهي المطالبة بإيجاد حلول (سريعة ومتوسطة المدى) فلا أعلم لماذا لم يشر أيضا إلى حلول (طويلة المدى) ما يدل على أنها عبارة وردت وكفى. وهنا لا بد من التوقف عند مثل هذه العبارات عن المدى التي تتردد على ألسنة العديد من المستشارين والمسؤولين بمعان مختلفة بحسب الخلفية الثقافية والعلمية. وفي مثل أزمة الموانئ لما لها من مردود أو فقد اقتصادي كبير لا بد من تحديد مفهوم المدى. فهو لدى الاقتصاديين يختلف عنه لدى غيرهم من الماليين والإداريين. فالاقتصادي حينما يتحدث عن المدى القصير فهو يتحدث عن فترة زمنية غير محددة تعجز المنظمة خلالها غالبا عن تغيير كافة عناصر الانتاج الثابتة مثل الأجهزة والمعدات الرأسمالية والمباني والتجهيزات سواء بالزيادة أو بالنقصان وكل ما يمكنها خلال تلك الفترة هو التحكم إلى حد ما في عناصر الانتاج المتغيرة مثل زيادة أو إنقاص العمالة أو المدخلات. أما المدى الطويل فيمكن أن يكون أقل من سنة أو أكثر من عقود بحسب القدرة على التحكم بكافة عوامل الإنتاج الثابتة والمتغيرة ففي المدى الطويل كافة العوامل متغيرة وقابلة للزيادة والإنقاص بصرف النظر عن الفترة الزمنية.
ولذلك حينما يتحدث رئيس المؤسسة العامة للموانئ عن إنشاء ميناء مساند في الليث هو يتحدث عن المدى الطويل الذي يمكن زيادة البنية المكانية والرأسمالية لميناء جدة خلاله. ومثل هذا الحديث عن ميناء مساند يعني بالضرورة أن التوظيف الرأسي والأفقي للميناء الحالي قد بلغ منتهاه!؟ فإن كان كذلك فلم لا يكون تفكيرنا استراتيجيا مثمرا يتخطى الحدود التقليدية المتعارف عليها، ولم لا نفكر بتوسيع مساحة الميناء الحالي في مكانه لضمان الاتصال المكاني ووحدة القيادة والسيطرة على ميناء كبير يمكن أن يتحول فعلا إلى ميناء للعالم الإسلامي ومنطقة اقتصادية كبرى في إقليم الشرق الأوسط لخدمة القارات الثلاث. ولا يمكن أن يتم مثل هذا التطويـر إلا بالتمدد المكاني جنوبا. ولكن مثل هذا التمدد لا يمكن حاليا..
ولذلك أقترح أن يتم النظر على أعلى المستويات التخطيطية في الدولة في توسيع امتدادات ميناء جدة ومنع التملك جنوبها والاستفادة من سواحل الليث. ففي هذا الحل الذي يبدو راديكاليا حاليا تنفيس للميناء وضمان لإمكانيات تطويـره فنيا وسكنيا وسياحيا بشبكة من الفنادق والمرافق والنشاطات البحرية والمساندة ودعم لإمكانات تحويل الميناء إلى واجهة بحرية فريدة من نوعها في العالم، إضافة إلى إنعاش مدينة الليث وجعلها مركز جذب استثماري وسكني جديد يخفف عن جدة وشمالها الذي تتوطن فيه حاليا كافة المرافق والمشاريع التنموية.