-A +A
علي حسن التواتي
رغم أن السويد كانت أقل الدول الأوروبية تضررا من الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم في 2008 ورغم استعادتها السريعة لزخم النمو الاقتصادي القوي إلا أن كل ذلك لم يسهم في منع اندلاع أعمال شغب على مدى الأيام القليلة الماضية على إثر مقتل مهاجر برتغالي على يد الشرطة في ضاحية هوسبي ولم يمنع أيضا من امتداد أعمال الشغب إلى بعض ضواحي العاصمة السويدية الأخرى لأسباب عديدة بعضها اقتصادي. ولا أرغب هنا في استعراض تفاصيل تلك الأعمال التي اجتاحت ستوكهولم ولكن ما يهم القارئ الآن هو التركيز على الدروس المستفادة التي يمكن أن تفيد السويديين وغيرهم في تلافي مثل هذه الأحداث التي سبق أن اجتاحت بعض المدن البريطانية والفرنسية وغيرها من الدول.
والدرس الأول الذي يجب التفكر فيه مليا هو أن النوايا الطيبة لا تكفي في استقبال أعداد كبيرة من المهاجرين من دول أخرى ما لم تكن هناك خطط لدمجهم بالسكان الأصليين. فبالرغم من ارتفاع نسبة المهاجرين إلى 15% من إجمالي تعداد السكان في السويد إلا أنهم يعيشون في عزلة اجتماعية خانقة ويصل معدل البطالة فيما بينهم إلى 16% وهو معدل يقترب من ثلاثة أضعاف المعدل الوطني الذي يدور حول 6% وذلك ما أدى إلى انكفاء المهاجرين الذين هم في معظمهم من الصومال والعراق وأفغانستان وأريتريا على أنفسهم في أحياء فقيرة وتطويرهم لأنماط سلوكية واجتماعية لا تختلف كثيرا عن موروثاتهم التي قدموا بها من بلادهم الأصلية.
والدرس الثاني له علاقة بطبيعة الأحياء والضواحي التي يعيش فيها المهاجرون فضاحية هوسبي التي قدح فيها زناد أعمال الشغب هي إحدى ثمرات مشروع (المليون وحدة سكنية) الطموح الذي نفذته الحكومة السويدية في عهد (الحزب الديموقراطي الاجتماعي) بين عامي 1965 و 1974 للتأكد من أن كل (مواطن ديموقراطي صالح) يحصل على سكن بسعر مناسب بحسب الشعارات التي رفعت حينها. وقد اكتمل المشروع ببناء (1,006,000) وحدة سكنية في عدة (ضواحي) منها فيلينجبي وأرستا. ولكن أخذ على المشروع أنه اعتمد في معظمه على نظام الشقق السكنية في عمائر اسمنتية من عدة أدوار تفتقر للمكونات الفنية الجمالية ولا تتناسب مع طبيعة الشعب السويدي الذي يميل للمساحات الواسعة والمفتوحة. ولقد تزامن وصول المهاجرين للسويد مع حركة نزوح كبيرة من السكان الأصليين من هذه الأحياء والضواحي ليحل المهاجرون محلهم في تلك الغابات الإسمنتية حتى وصلت النسبة في هوسبي إلى أربعة مهاجرين مقابل سويدي واحد. والدرس هنا يتمثل في ضرورة أن يخطط الناس لأنفسهم وألا يتولى أحد تقرير ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه خاصة بالنسبة للمسكن فهو إن لم يكن ملائما لاحتياجات المستهدفين ورغباتهم فسيصبح عاجلا أو آجلا مصدر تهديد أمني بسبب تراكم الفقراء والمهاجرين في المساكن التي يحجم أهل البلاد الأصليون عن السكن فيها.
والدرس الثالث يتمثل في ضرورة الاقتناع بأن للناس طموحات وآمالا تفوق ما يمكن أن تقدمه لهم دولة الرفاه، فالسويد لا تضاهيها دولة في العالم في ما تقدمه من إعانات لمن يعيشون على أرضها، والفقير فيها لا يضطر للسؤال ولكن (ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان).
والدرس الرابع يتمثل في دور السلطات الأمنية في التعامل مع الناس في أوقات الاضطراب والفتن فرجال الشرطة في السويد متهمون بوصفهم للمواطنين من أصول أجنبية بالقرود ويفتشونهم ويطلبون هوياتهم دون غيرهم من سائر المواطنين وذلك ما يعزز ادعاءات الجيل الثاني من أبناء هذه الفئة الاجتماعية بأنهم يحسون بالعنصرية في معاملة الشرطة لهم وفي اليأس من انتظار موعد لمقابلة شخصية للتعيين في وظيفة مناسبة.. أما الدرس الخامس والأخير فيتمثل في ضرورة عدم الانخداع بالمؤشرات الاقتصادية الكمية التي قد توحي بسلامة الاقتصاد في حين أن المؤشرات النوعية تعطي دلالات أخرى، فالسويد برغم تمكنها من تحقيق المعجزة الاقتصادية التي عجزت عنها معظم الدول الأوروبية الأخرى، ورغم أن نظامها الاقتصادي يهتم كثيرا بالعدالة الاجتماعية إلا أن الفجوة الداخلية بين الفقراء فيها والأغنياء تتزايد في السنوات القليلة الماضية بشكل كبير حسب أحدث بيانات الاتحاد الأوروبي.
وفي الختام، أود التأكيد على أن مثل هذه الدروس المستفادة ليست وقفا على الحالة السويدية وإنما هي متكررة في العديد من الدول المتقدمة والنامية ولكن يبدو أن كل دولة تظن أن وضعها مختلف لتكتشف في وقت ما بأنها لو اعتبرت بغيرها لنأت بنفسها وبشعبها عن كل ما يتسبب في تكدير عيش مواطنيها ويشيع أجواء الفوضى وعدم الاستقرار فيها.

Altawati@gmail.com


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة