-A +A
علي حسن التواتي
تشهد بلادنا في عهد خادم الحرمين الشريفين ـ أيده الله ــ استثمارا مكثفا في البنية الأساسية، باعتماد مشاريع عملاقة لم تشهد المنطقة لها من قبل مثيلا، سواء في الحجم أو القيمة. ويكفي أن نعرف أن إجمالي قيمة العقود التي وقعت لتنفيذ هذه المشاريع وصلت إلى 72 مليار دولار سنة 2012، ويتوقع أن ترتفع إلى 80 مليار دولار مع نهاية العام الحالي. ومن المهم أن نعرف أن المشاريع المستقبلية أيضا ستكون الأضخم في المنطقة أيضا بما تصل قيمته إلى أكثر من 300 مليار دولار سيتم إنفاقها قبل حلول سنة 2020، منها 29.6 مليار دولار مخصصة لقطاع النقل البري، و20 مليار دولار لقطاع المطارات والطيران المدني. إضافة إلى إنفاق كبير متوقع على قطاع الإسكان لإنشاء 275 ألف وحدة سكنية في العام ــ على الأقل ــ حتى سنة 2017 لتحقيق انفراجة حقيقية في قطاع الإسكان العائلي، ويضاف إلى ذلك أيضا إنفاق لا يقل عن 30 مليار دولار لتوسعة الحرمين الشريفين.
وتتنافس هذه المشاريع وغيرها من مشاريع المياه والصرف الصحي وفك الاختناقات المرورية وزيادة طاقة الطرق الداخلية والدائرية على كل بوصة من الأرض في المجمعات الحضرية الكبرى والمدن الصغيرة والكبيرة، حتى أصبح المواطن لا يعرف ما الذي ينفذ في مكان معين إلا بعد انتهاء أعمال الإغلاق والإزالة والحفر والبناء.

ولعلي لا أبالغ بأننا ــ كمواطنين في المملكة العربية السعودية ــ أصبحنا أشبه ما نكون بمشجعي كرة القدم، باصطفافنا على جانبي الطريق والاستمتاع بمشهد موكب التنمية المهيب الذي يتهادى بقوة وثبات وينثر خيراته وهداياه على الجميع، في زمن افتقرت فيه معظم أقطار منطقتنا العربية للاستقرار اللازم لمرور مواكب التنمية التي لا يمكن أن تمر إلا في بلد مستقر وراسخ البناء.
ولكن ما أود التنبيه إليه هو أن تنفيذ المشاريع بنفس الأسلوب القديم، مع كافة القيود التي تفرضها اشتراطات وزارة العمل على الشركات العاملة، يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعطل بعض المشاريع أو توقفها في بعض الأحيان، ما ينعكس ــ بدوره ــ على شركات أخرى لا تستطيع البدء إلا من حيث تنتهي شركة أخرى في نفس المكان، وليس أمامها خيار آخر غير الانتظار. وهذا ــ بدوره ــ ينعكس تعطيلا للمواطنين وتنغيصا لحياتهم اليومية؛ بسبب فترات الإغلاق الطويلة للطرق والشوارع، بل وللأحياء في بعض الأحيان، وتزاحم الشاحنات والمعدات الثقيلة في ساعات النهار خصوصا أوقات الذروة منها.
ولذلك، أرى أن نفكر في حلول خلاقة لتسريع تنفيذ هذه المشاريع الكبرى، من أهمها توزيع العمل على ثلاث فترات في اليوم لنضمن الاستمرارية على مدار الساعة. ولكن حلا كهذا يتطلب عددا كافيا من العمال والفنيين والمختصين لتغطية أعمال كل فترة بهمة ونشاط، وكأنما هي الفترة الوحيدة. ومع أخذ قيود استقدام العمالة بمختلف أصنافها بالاعتبار لم لا نفكر بأن تستقدم العمالة التي يحتاجها المشروع الواحد على كفالة (وزارة العمل) ذاتها، وتخصص للمشروع الذي استقدمت من أجله وبمجرد انتهائه يتم إنهاء عقود العاملين ما لم يكن لدى الشركة مشروع آخر يحتاج لتلك العمالة أو جزء منها. وبهذا، لا تشهد أية شركة ــ مهما كبر حجمها وحجم مشاريعها ــ تضخما في العمالة المغتربة لديها، طالما أنها يمكن أن تحصل على العمالة اللازمة لتنفيذ مشروعاتها ــ مهما بلغ تعدادها.
وهناك مدخل مساند آخر للتسريع اتضح في أمر خادم الحرمين الشريفين ــ أيده الله ــ باستيراد 10 ملايين طن من الأسمنت وإنشاء أربعة مصانع جديدة لهذه المادة الحيوية في البناء. فهذا الأمر الكريم يسهم إلى حد كبير في إحداث انفراجة في سوق الأسمنت المحلية ويخفف من أعباء بناء المساكن، ولكن الاختناقات في أسواق مواد البناء والمواد الأخرى اللازمة لتنفيذ المشاريع تبقى على حالها، وبخاصة بالنسبة لمواد قد لا يلقي لها أحد بالا مثل المواسير والأسلاك والغراء..
ولعل هذا ما يدعوني للدعوة إلى إعادة تشكيل هيئة أو دائرة متخصصة في (الاستيراد الحكومي) للمواد التي تحتاجها المشاريع الكبيرة، حتى لا تؤثر على الطلب المحلي بالارتفاع، وبالتالي تضاعف الأسعار على المواطنين بحكم المنافسة غير العادلة على نفس المواد بين الأفراد والشركات الكبرى المرتبطة بعقود. وهذه الهيئة أو الدائرة ليست جديدة، فقد كانت موجودة في أوائل عهد الملك فيصل ــ رحمه الله، ويمكن الاستفادة من تجربتها بتفعيلها بصفة مؤقتة في مثل هذه الأوقات التي تشهد استثمارا حكوميا كبيرا في المشاريع.
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة
Altawati@gmail.com