-A +A
علي حسن التواتي
وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز كلا من وزارتي الداخلية والعمل بإعطاء فرصة للعاملين المخالفين لنظام العمل والإقامة في المملكة لتصحيح أوضاعهم في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ صدور التوجيه يوم الأحد الماضي، ومن لم يقم بذلك فسيطبق في حقه النظام. وبالتزامن مع إعلان توجيه الملك أعادت بعض الصحف نشر لائحة عقوبات مخالفة نظام الإقامة نقلا عن موقع المديرية العامة للجوازات.
واللائحة ليست بالجديدة وهي واضحة في كل بنودها وفقراتها ولو التزم بها من تنطبق عليهم لما تعرضوا لأي موقف سلبي. ولكن من يطبقون اللوائح أيضا يحتاجون إلى دراسة أبعادها على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهذا الأمر بالتحديد هو ما شمله التوجيه الكريم بأن مهلة كان يجب أن تمنح للمخالفين لتصحيح أوضاعهم وأوضاع من يستخدمونهم. وبحسب ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية فإن خادم الحرمين الشريفين كان بهذا التوجيه يستجيب لنداءات محلية ودولية بضرورة تدخله شخصيا لإيقاف ما يجري بالطريقة التي يجري بها.

وما أحزنني شخصيا في مجمل القضية هو أنني نبهت لهذا البعد السياسي الذي يفتقده نظام الحصص الملونة (نطاقات) الذي يحلو لوزارة العمل تسميته (برنامج) وهو بعيد كل البعد عن البرنامج لافتقاره لمكونات وأدوات وآليات وأساليب تصميم وتنفيذ البرامج ومتابعتها. وكان ذلك في مقالة نشرت لي في هذه الزاوية في «عكاظ» يوم 6 يوليو 2011 م أي قبل ما يزيد على عام ونصف.
ومن نافلة القول هنا التذكير بعبارة صدرت بها تلك المقالة بأن رأيي «لا يعني بأي حال من الأحوال اتخاذ موقف سلبي من إجراءات نطاقات أو التخويف من نتائجها على المستوى الدولي، ولكن هدفي هو التنبيه إلى بعد مهم كان لا بد من أخذه بالاعتبار لأن العلاقات بين الدول مترابطة وتشمل نواحي كثيرة يجب الاهتمام بها والتقييم الدقيق لمجمل حسابات أرباحها وخسائرها قبل وأثناء تطبيق الإجراء».
نعم أوافق معالي وزير العمل في تحذيره من أن ترك باب الاستقدام مفتوحا على مصراعيه بدون ضوابط قد يحولنا إلى أقلية في بلادنا. وأوافق من قالوا بأن أبناء الوطن أولى بخيراته، ومن قالوا بأن تجارة التجزئة يجب أن تكون في أيدي المواطنين. فكل هذه المقولات صحيحة ولكنها لا تبرر ما حدث. لماذا؟.
لأن الحملة تركت مجهولي الهوية والمتسللين المختبئين في الأحياء العشوائية والأرياف والجبال والوديان وعصابات الشحاذين على إشارات المرور وأماكن التجمع للمناسبات المختلفة واتجهت لعنصر واحد دون غيره وهو عنصر العمالة النظامية التي تحمل إقامة ولكنها تخالف في الامتثال لشروط تلك الإقامة ما أوحى بأن للحملة أهدافا أخرى غير التنظيم وفي مقدمتها إيجاد نوع من (الندرة المصطنعة) في سوق العمل لتمهيد الطريق لتشغيل شركات الاستقدام والتوظيف بهامش ربحي مجز. وما لبث هذا الإيحاء أن تعزز بتصريح مفصل من أحد وكلاء وزير العمل كثيري التصاريح من أن وزارته تعكف حاليا مع وزارة الداخلية والتجارة على تنظيم سوق العمالة الأجنبية من خلال 10 شركات مرخصة فعلا و8 أخرى في الطريق لتقدم خدماتها من شقين الأول للإفراد الراغبين في الاستقدام على المهن الخدمية والفردية، (لكن بانضباطية أكبر من ذي قبل) حيث يكون ارتباط العمالة منظما وفق آلية تنظيمية بين (الشركة والكفيل)، والشق الثاني من خلال (استقدام العمالة وتأجيرها للغير) وفق عقود عمل واضحة، وتكون مسؤولة عن العمالة، وتقدم خدماتها للشركات والأفراد. ولدعم تصريحاته أفاد نفس المصدر بأن الجهات المختصة لديها توجه (لمنع الاستقدام من قبل الأفراد للعمالة في المهن الفردية، وإسناد ذلك لشركات متخصصة تتولى استقدام العمالة الوافدة من الذكور والإناث، بالتنسيق مع أصحاب العمل في المملكة، وتقديم الخدمات العمالية للغير).
وبالطبع فإنه لا يمكن التحدث بعمق تحليلي كاف عن التنظيم الجديد للعمالة عن طريق الشركات قبل صدوره. ولكن آمل أن يؤخذ في الاعتبار أن وجود مخالفات من البعض لا يبرر معاقبة الجميع ومصادرة حق الأفراد في القطاع الخاص باستقدام عمالتهم بحسب احتياجاتهم واختياراتهم والأسعار التي تناسبهم وفق الأنظمة المرعية ومتطلبات السعودة. كما آمل أن تدرس مرجعية من توظفهم الشركات لدى الغير بعناية لأن في تعدد مرجعيات العاملين إضعافا للإنتاجية من ناحية وإحداثا لفجوة كبيرة تتيح لطرف ثالث الاطلاع على أسرار عمل من يوظفون مثل هؤلاء، ومعلوماتهم التجارية، وغير التجارية التي قد يشكل انكشافها مصدر تهديد كبير لربحيتهم واستمراريتهم في المنافسة السوقية.