-A +A
علي حسن التواتي
ما فتئت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتحف القاموس السياسي العالمي بمصطلحات ومفاهيم جديدة لتبرير عدائها لبعض الدول والجماعات أو تقاعسها عن القيام بواجباتها تجاه دول وجماعات أخرى. فمن محور الشر إلى الفوضى الخلاقة والدول المارقة في عصر بوش الصغير لتبرير العداء لدول بعينها، ومن الحلول الخلاقة التي ابتكرتها وزيرة الخارجية السابقة إلى (الصبر الاستراتيجي) الذي يتمسك به خلفها الحالي لتبرير تقاعس الإدارة الأمريكية الحالية عن القيام بدورها الإنساني والأمني، تعيش سوريا والمنطقة العربية برمتها حالة من الفوضى وسفك الدماء والتشريد والدمار.
والحقيقة أن علامات الاستفهام تتزايد وتكبر يوما بعد يوم عن حقيقة النوايا الأمريكية في المنطقة. وحتى الشركاء الأوروبيين لم يعودوا يفهمون اعتراض وزير الخارجية الأمريكي على تدخل الاتحاد الأوروبي في مصر الإخوان التي تعاني من تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية وتصاعد انتهاكات حقوق الانسان أو اعتراضه على قيام دول أخرى مثل بريطانيا وفرنسا على تسليح المقاومة السورية المسلحة وحتى قبوله على مضض للتواجد الفرنسي في غرب أفريقيا.
ولذلك نرى عدوى (الصبر الاستراتيجي) وهي تنتشر بين الحلفاء لتعبر عنها المفوضة العليا للأمن والعلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون في استخدام هذا المصطلح في خطابها أمام مجلس الاتحاد في وصف الموقف الأوربي من المسألة المصرية بأنه إظهار «للصبر الاستراتيجي». ورغم استخدام السيدة أشتون للمصطلح إلا أنها شكت في مناسبة أخرى من أن هذا الصبر الذي تعدى حدوده كان بنصيحة من الوزير الأمريكي كيري.
والحقيقة أن إدارة الرئيس أوباما تلتزم بهذا النوع من الصبر منذ تسلمها مقاليد الأمور في كل ما يتعلق بسياستها الخارجية بطريقة لا تبعد كثيرا عن الطرفة العربية الشهيرة لرجل أتاه من يجرده من ملابسه قطعة قطعة وهو يقول لنفسه (نصبر نشوف حايعمل إيه) حتى انتهى به الأمر إلى نهاية كارثية. ففي الشأن الكوري الشمالي قاد الصبر الاستراتيجي إلى قيام كوريا الشمالية بعدة تجارب إطلاق لصواريخ بالستية وتفجيرين نوويين كان أحدثهما في 12 فبراير الماضي وإلى إلغائها لاتفاقية الهدنة القائمة بين الكوريتين منذ أكثر من 60 عاما، وإلى تصريح مسؤول صيني، فيما يبدو أنه تحذير موجه لإدارة أوباما، بضرورة أن تكف كل دول العالم عن التدخل في شؤون غيرها. أما فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية فقد قاد الصبر الاستراتيجي إلى تجاوز إيران مسألة القنبلة النووية إلى تغلغل نفوذها السياسي والعسكري في المنطقة بشكل غير مسبوق، وفرض نفسها ضمن أي معادلة حل لقضاياها. فلقد نجحت الاستراتيجية الإيرانية في تركيز الانتباه في اتجاه الملف النووي وتحركت بحرية في مختلف الاتجاهات.
وحتى زيارة الرئيس أوباما الأخيرة لإسرائيل لا أراها في إطار آخر غير التهدئة والتوطئة لترميم علاقات الحزب الديمقراطي معها على أمل مساندتها لمرشحه الرئاسي الجديد للفترة القادمة 2017-2021م.
وتحت مظلة الصبر الاستراتيجي سلمت السيدة كلينتون مفاتيح المسألة السورية لنظيرها الروسي لافروف. وتوالت بعد ذلك الحلول الخلاقة ومنها حل من الجامعة العربية رفضه النظام السوري وحلفاؤه الأجانب ويقوم على إرسال قوات سلام عربية كما حدث في لبنان ربما يتبعها «طائف سورية» على غرار الطائف اللبنانية. وحل آخر طبخ بين إيران ومصر الإخوان ورفضه الجيش الحر والقوى المقاتلة على الأرض يضمن لبشار البقاء على رأس السلطة مع رئيس وزراء إخواني. وآخر الحلول الخلاقة هو الحل الأمريكي/الروسي/الإسرائيلي الذي أسقطه الجيش الحر قبل يومين واستقال على إثره الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض. وهذا الحل لا يختلف كثيرا عن الصيغة العراقية مع بعض التعديل بحيث يكون رئيس البلاد عربيا سنيا ولكن بلا سلطات، ورئيس الحكومة كردي بيده كل السلطات التنفيذية بدعم تركي وكردستاني عراقي ومحلي، أما السلطة التشريعية فتبقى في أيدي العلويين.
ووأضح أن هذا الحل الخلاق لا يبعد كثيرا عن ترتيبات أخرى اتخذت مؤخرا في المنطقة منها المصالحة التركية الكردية والاعتذار الإسرائيلي لأنقرة وتدخل عناصر الاستخبارات المركزية الأمريكية المكثف بين صفوف المعارضة المسلحة لتمييز الموالين من الأضداد وربما الاعتداء على حياة قائد الجيش الحر..
وبفشل هذا الحل الخلاق في مقدار غبائه تبقى المنطقة تحت مظلة (الصبر الاستراتيجي) بانتظار حل خلاق آخر حتى تتفتت سوريا وتدخل في نفق التقسيم العرقي والطائفي الذي أدخلت فيه العراق ولا يبدو لها منه مخرج أو تنتهي فترة هذه الإدارة الضعيفة دون أن تستفز إسرائيل بحلول لا ترضيها.
altawati@gmail.com
للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة

Altawati@gmail.com