-A +A
فؤاد مصطفى عزب
عبدالله طفل اتصل بمقدم برنامج على الهواء في إحدى المحطات الفضائية والتي كانت تناقش النزاع الزوجي والعنف الأسري والاعتداء على الأطفال ليسأله سؤالا بريئا مخنوقا بالدموع.. أنا ذنبي إيه !!، وكأنه بهذا السؤال رمى بهجوم الأطفال البسطاء المعذبين الذين اكتووا بأخطاء الكبار في رقعة المكان.. كان عبدالله يتحدث ولحمه لا زال يعاني الاحمرار والالتهاب ويكتم في صبر مذهل الألم والحزن.. لم تنفع علبة «المرهم» التي حاول المشاركون إهداءها له ولم توقف صراخه.. كان سؤال «عبدالله» سكينا شطرت القلب إلى نصفين، فيبدو أن عبارة واحدة تملك القدرة على نكء كل الجروح.. كنت استمع لسؤال «عبدالله» وأضع رأسي بين راحتي وأتأمل رحلة التشقق الداخلي التي يرويها هذا الطفل الذي افتقد الضوء من حوله وأتساءل كيف يمكن لإنسان أن يدوس على رمال أطفاله بقدميه!!، فأبناؤنا أجراس معلقة في قلوبنا شخبطنا معهم وهم أطفال على الجدران وكراسات الرسم ولونا بألوان الطباشير والفولماستر معا.. ورسمنا أشجارا وزهورا ومآذن وأكلنا معهم الهامبرجر والبيتزا وصنعنا لهم طائرات من ورق طارت بقوة مشاعرنا ولعبنا معهم بقطارات من البلاستيك لم تتوقف إلا في محطات عيوننا.. وحنينا ظهورنا ليقفزوا عليها ووضعنا صورهم في إطارات من عقيق في منازلنا وأماكن أعمالنا.. إنهم الذاكرة الجميلة وجسر الامتداد بين الحب والحنان دئما نتمنى أن يكونوا أفضل منا وأن ينعموا بما خسرناه فكيف نقوى بعد كل ذلك على تحطيمهم!!، يقول عالم النفس «واتسون» أعطني دستة من الأطفال حديثي الولادة ودعني أحدد شخصيتهم، وأؤكد لك أنني سأتمكن من تخريج المعلم والمحامي والطبيب ورجل الشرطة والمجرم تبعا لنوع الحياة التي سيحياها هذا الرضيع مع والديه!!، والمشكلة الحقيقية تبدو لي وإن اختلفت مع الكثيرين فيها ليست دائما «امرأة».. فالأمومة عزيزة.. لقد تعودت رؤية ذلك بل يكاد موضوع الأمومة أن يكون موضوعي المفضل في اللوحات التي طالما زينت بها جدران المستشفيات التي قمت بالإشراف على إدارتها فالطفل في أحضان الأم.. متشعلق.. متشقلب.. متشبت بردائها.. راكب على كتفها.. سابح في نوم عميق بين أحضانها لا يعادله جمالا على الإطلاق.. والمرأة على الطرف الآخر هي من تفتح محارة الجسد والروح كزوجة أيضا.. لتصنع عرشا من حنان خلاب وتدعو الزوج المحدد بواسطة مشاعرها ليجلس على هذا العرش وينعم بثمار مملكة الأنوثة.. فمشاعر المرأة أي امرأة تميل إلى الرجل الذي يحيطها بالثقة والعطف والحنان ولا تخاف من شيء إلا أن يصدر منه سلوك مهين لها أو ينطق لسانه بكلمات تجرحها.. لكن الدنيا مليئة بالرجال الحمقى الذين يسرقون الثقة من قلوب نسائهم بالتعدي عليهن، عند ذلك تنحدر الرجولة من فوق جبال الاحترام وينتهي الأمر بأن يقذف الطرفان بحصيلة العلاقة على قارعة الزمان كوعاء قديم، وهذا ما حصل لـ «عبدالله»، فمصيبة هذا الزمان أن إنجاب الأطفال عند البعض في «عالمنا التالف» أصبح فقط تجربة جنسية لامرأة ورجل لإثبات قدرة كل منهما على تأكيد شيء ما!!، وهذه الازدواجية هي التي تؤكد أننا نقول شيئا عن احترام الحياة الزوجية ونفعل شيئا آخر معاكسا تماما ونقذف الطفولة بالحجارة!!، لقد حفر «عبدالله» في داخلي مسافة عميقة من أحزان إحساس طفل بالوحدة وكان سؤاله أنا ذنبي إيه!!، دراما تفوق كل ما كتبه مؤلفو الدراما!!.
Fouad.azab@hotmail.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة