-A +A
فؤاد مصطفى عزب
دعاني شخص اعتدت على التهرب من دعوته إلى حفل عشاء، قال لي إنها دعوة خاصة وأنه يرغب في رؤيتي والتحدث معي، قبلت الدعوة في بطء وكثير من التردد.. حال وصولي وجدت أنني دون أن أدري قد اختطفت إلى (سيرك)، كان المنزل ممتلئا كما يمتلئ مجرى نهر جاف بالمطر واستمر التعاقب في النمو كنمو سرطان مجهول الأصل، كان الجميع يدخنون في نهم وشراهة ينفثون الدخان من أنوفهم وأفواههم على حد سواء مثل من أصابه الشبق.. كان البعض الآخر في عزلة تامة يتبادلون الحديث مع شاشات الـ (بلاك بيري.. والأي باد.. والأيفون) يحملقون فيها بصمت مطبق مثل قبور مفتوحة يتأملون الشاشات المضيئة منتشين كالأطفال.
كان آخرون يلعبون (البلوت) بمشاعر منفعلة تثير النفور ويتلفظون بألفاظ جارحة ويخبطون بأوراق اللعب الملونة على الأرض بعصبية.
كان الحديث ينحدر بينهم أحيانا بصورة سوقية تصيب العقل بالجراح.. كانت هناك شاشة عملاقة تبث مباراة كرة قدم.. كان صاحب الدعوة يتحدث مثل طفل ينسى الحديث في حضرة أبيه، كان يتوقف عن الحديث أحيانا لينادي على العاملين بنغمة حادة صادمة.
كان فشل التواصل يغمر الجلسة.. كانت الألسن تضرب في كل الاتجاهات الأصلية والفرعية.. مجرد أصوات متدافقة متزاحمة لا تبلغك شيئا.. أي شيء.
تسمع أقوالا لاتخطر لك على بال وحكايات كاذبة وروايات عارية من الصحة ولا أساس لها من الحقيقة ولغوصة وتجنيا على المسؤول وابن الناس.. لم يسلم في هذه الجلسة موظف ناجح ولا رجل أعمال ولا مرفق خدمات عام أو خاص ولامبدع من هذا الغثاء.
كنت أكتم رغبتي في الحوار ما استطعت.. إلا أنه يمكنني أن أصف لكم إحساسي بما شاهدت وسمعت لأوفر عليكم رغيف العقل.. إن الجلسة كانت سيئة أسوأ كثيرا من ألم الأسنان.. أناس منفصلون تماما عن الواقع وفلاسفة يطلقون نعيق البوم في مواسم الأفراح، تشعر وأنت تتحدث إليهم وكأنهم فريق من التعساء فقدوا الإحساس بالجدوى.. تذمر وسخط من كل شيء وعلى كل شيء.
والمحزن أن هؤلاء الجهابذة والعالمين بكل شيء والناقدين لك أي شيء هم إفرازات الطفرة لأنها جعلت من هؤلاء (الفقع) الذين كانوا لايملكون ثمن شاه يتشدقون بعنجهية العالم الخبير ببواطن الأمور فهو عالم في الاقتصاد وخبير في مستقبل الأمة ولديه الحس الإداري والتخطيطي والتعليمي والصحي والتنظيمي وهو متخصص أيضا في الفلك والنجوم والسحاب والديكور والأزياء!!، كان سقف المكان يرشح بالنميمة وتشريح الآخرين.. كان كل ينشر خشبه على طريقته.. البعض كان يتحدث متشامخا وبطريقة غريبة.
شخصيات ضبابية مشوشة تثير الشفقة.. أحسست برغبة أن أصيح (هذا غبن)، كان الذهول يلجمني كنت مرهقا جراء العرض الذي أمامي فاعتقد أحدهم لحسن حظي أنني مريض أكدت له في تنهيدة ملساء ذلك وأنا أتعجل الخروج.. فما أن وصلت إلى عربتي حتى استعدت سلام عقلي، وجدت رسالة على المحمول من صاحب الدعوة: سلامتك!!.
أجبته في نفسي وأنا أستشيط غضبا، الله لا يسلمك.. فأمر شاق أن ترفع رأسك وتدرك فجأة أنك في مهرجان، وكنت قاصدا دعوة عشاء !!.
Fouad.azab@hotmail.com

للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 134 مسافة ثم الرسالة