-A +A
تؤكد بعض المصادر في تهامة ان ديار بكر وتغلب أثناء مقتل كليب لم تكن بنجد كما تشير بعض المصادر النجدية وان ما استشهدوا به من اشعار لا تثبت جبل خزار المذكور في أبيات الشاعر عمرو بن زيد وتنفي ان تكون القبيلتان كانتا تسكنان نجداً أثناء مقتل كليب وانطلاق شرارة حرب البسوس. وتؤكد في الوقت ذاته ان القبيلتين كانتا تسكنان في وادي الخيطان جنوب الباحة عندما قتل جساس بن مرة كليباً سيد تغلب وانطلقت من هذا الوادي حرب البسوس كما ان قبر كليب موجود فيه وهو الوادي ذو الغابات الكثيفة والمياه المتدفقة والذي ينزل إليه التلفريك من غابة القمع في بلجرشي، وان مسميات كثيرة موجودة في الوادي تطابق ما ورد من مسميات لأماكن ذكرت في الكتب التي ألفت في حرب البسوس والزير سالم وكليب وقصتهما المشهورة من المسميات الواردة في قصة حرب البسوس مثل وادي البسوس، حدبة كليب، قبر كليب، وادي الحصى والجندل، كما يوجد موقع يحمل اسم الذنائب.
الباحث الدكتور جمعان الغامدي يقول على الرغم من ان معظم أحداث حرب البسوس جرت في نجد إلا أن القبيلتين لم تكونا تسكنان نجداً عندما قتل جساس كليباً وعلى الرغم ان المصادر التاريخية تذكر ان من أوائل معارك المهلهل معركة بماء يقال له: النهي وفي السراة واد يجزع حوالة يسمى النهيين تثنية (نهي) وقد ورد ذكره في قصيدة أبي جياش الحجري فهو من المسميات القديمة وهذا الوادي يمر بحوالة متجها شرقا إلى نجد وربما سمي النهيين لأنه ينقسم إلى قسمين في بدايته يلتقيان في أسفل قرية حوالة وكل منها نهي وحتى لو ثبت ان النهي هو الماء المعروف بوسط نجد فإن الواقعة قد حدثت فيه بعد خروج قبائل بكر وتغلب وارتحالهم عن تهامة إلى نجد. أما القول ان القبيلتين كانتا تعيشان في نجد عندما قتل جساس كليباً ومن هناك انطلقت إلى العراق والشام فذلك غير صحيح على الإطلاق فما زال جزء من قبيلة تغلب يعيش بالقرب من هذا الموضع ولا يبعد عنه سوى 150كيلا ويدعون (أكلب وهم في الحقيقة من بني ربيعة بن نزار).

جبل خزار
ويضيف الدكتور الغامدي اما ما ذكر عن جبل خزار ومن أشعار حوله فلا يشير إشارة واضحة إلى حرب البسوس وبدايتها بل إن جبل خزار مشكوك في موضعه هل هو في نجد بالقرب من القصيم او باليمن بالقرب من زبيد، فياقوت يقول: إن أكثر الناس يقولون انه في نواحي اليمن حيث اشار ياقوت: (وكثير من الناس يذكر ان خزار هي المهجم من أسفل وادي سردد) معجم البلدان خزار 419/2.وانظر أيضا (سردد) معجم البلدان 236/3حيث يذكر انها بالقرب من زبيد...اما معجم ما استعجم للبكري ص 731فيجعل (سردد) جبلا في بلاد بني سلامان وهم قوم من الأزد لا تزال تعيش بقاياهم شمالي الباحة بالقرب من وادي (أبيدة) المشهور، بل إنني وجدت أخيرا موضعا يدعى (السلان) بالقرب من موضع قبر كليب جنوبي بلاد الازاهرة من غامد على حدودهم مع خثعم. وهو من المواضع المشهورة في حرب البسوس.
ويشير الدكتور الغامدي ان من الدلائل أيضا على ان القبيلتين كانتا تسكنان تهامة قبل انطلاق شرارة حرب البسوس ما ورد في العقد الفريق 7/6"وكانت بنو جشم (قبيلة كليب) وبنو شيبان في دار واحدة بتهامة وكان كليب قد تزوج الجليلة.... الخ" وانظر بلوغ الارب 3.151/2 ورود أبيات من شعر المهلهل تؤكد ان ديارهم كانت بتهامة فقد ورد في ديوان المهلهل ص 65:
بت ليلي بالانعمين طويلا
ارقب النجم ساهرا ان يزولا
كيف اهدأ ولا يزال قتيل
من بني وائل ينسى قتيلا
غيّبت دارنا تهامة في الد
هر وفيها بنو معد حلولا
وفي معجم البلدان 8/3 9وقبل هذا البيت في ديوان المهلهل ص 39:
أرقت وصاحبي بجنوب شعب
لبرق في تهامة مستطير
في نجد لا توجد أسود
فيما ترى بعض المصادر التهامية ان من الدلائل أيضا التي يستدل بها أهل وادي الخيطان وجود قبيلة وديار أسفل وادي الخيطان تدعى (العوامر) وقبيلتها العامري نسبة إلى عامر. مستشهدين بما ورد في نهاية قصة الزير سالم أن عائلة وائل بن ربيعة أخرت أحد أبنائها ويسمى عامراً حل الديار هناك.
سعيد الزهراني أستاذ التاريخ يقول ان من الدلائل ان قبيلتي بكر وتغلب كانتا تسكنان تهامة قصة أبو ليلى المهلهل مع الأسود حيث ان وادي الخيطان الذي يقع أسفل منحدر جبال السراة وهو واد فيه الكثير من السباع إلى يومنا هذا، كما أن أهل الأغنام هناك يسمعون صوت النمر بين وقت وآخر، خاصة في جبل أثرب ذي الغابات الكثيفة والذي يقع شرق الوادي .
الذنائب في 3 مواقع
وحول ما استشهد به أهل نجد من شعر ورد في أبيات للمهلهل التي يرثي بها أخاه كليباً وورد فيها ذكر الذنائب وان مقتل كليب فيها حيث قال :
ولو نُبش المقابر عن كليب
فيخبر بالذنائب أي زير
يقول وان الذنائب بنجد وهو الموقع المقصود فهذا ليس أكيداً ففي لسان العرب "الذناب مسيل ما بين كل تلعتين، والذنائب هي مسيل السيل " وفي الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني قال "مقتل كليب بالذنائب عن يسار فلجة مصعدا إلى مكة وقبره بالذنائب"، وقد ورد اسم فاجه في الوادي، فربما هو" فلجة "الذي ذكره أبو الفرج، ولكن حدث للاسم تصحيف، وقوله مصعدا إلى مكة فيه مقاربة، فالطريق من هناك صعودا إلى جبال السراة ومنها الطائف ثم مكة. كما ان هناك أكثر من مكان ورد بهذا الاسم، ففي الأغاني ورد أن الذنائب ثلاث هضاب في نجد، وقيل قرية قبل زبيد وزبيد قريبة من المظيلف التي تبعد عن وادي الخيطان بنحو 50 كيلو متراً.وقيل قرية باليمن .
وان كان قد ورد في الأغاني القول بأن "مقتل كليب بالذنائب عن يسار فلجة مصعدا الى مكة".الاغاني 44/5.فلعل ذلك من تخليط الرواة او لعل من الممكن ان تكون الذنائب كما ذكر لأكثر من موضع وإضافة الدكتور الغامدي فإن من المرجح وأقول المرجح ان حرب البسوس قد بدأت في تهامة الباحة بما استعرضنا من دلائل، ولعل الدراسات الأثرية القائمة على تحديد عمر بعض آثار صهر المعادن الموجودة في (وادي الخيطان) او بعض العظام عن طريق الاشعاع الكربوني قد تلقي مزيدا من الضوء على هذا الأمر.
قبر كليب
يؤكد بعض الأهالي في وادي الخيطان ان في الشرق من الوادي هضبة مرتفعة تغطيها الغابات وتقف بجوارها إلى الشرق أيضا جبال شاهقة تغطيها غابات كثيفة يطلق عليها حدبة كليب ويشيرون ان قبر كليب موجود في موقع على بعد كيلو واحد داخل سور من الأسلاك الشائكة يحيط بالمكان الذي يحط فيه تلفريك غابة القمع في بلجرشي وان الشركة المنفذة لمشروع التلفريك قد عزمت على قلع هذا القبر والمقابر الأخرى، ولكنهم تدخلوا لمنعهم من ذلك".
اما الباحث الدكتور الغامدي فيقول: أما قبر كليب فما زال مكان قبره يسمى الظاهر حتى الآن وقد ورد في أبيات للمهلهل لفظ موضع قريب في اللفظ من هذا الموضع حيث قال:
وخيل تكدس بالدارعينك
مشي الوعول على الظاهرة
وفي ديوان المهلهل ص 37وان كانت الظاهرة تعني في اللغة العربية المكان المرتفع وهي لا تزال في لهجة اهل الباحة بهذا المعنى فان قبر كليب في نشز من الارض مرتفع. وقيل ان قبره موجود في الذنائب، وكما ذكرنا الذنائب ورد ذكرها في ثلاثة مواقع في نجد وزبيد قرب المظيليف وزبيد قرب اليمن. ويضيف الدكتور الغامدي ورغم ذلك فان اغلب الروايات تدل ان قبر كليب في جهة اليمن وان الزير عاد إلى اليمن ليمكث بجوار قبر أخيه. بعد ما اشار اليه الباحث الغامدي وقول ياقوت ان جبل خزار في نواحي اليمن حيث قال: (وكثير من الناس يذكر ان خزار هي المهجم من أسفل وادي سردد) معجم البلدان خزار 419/2.و (سردد) في معجم البلدان 236/3حيث يذكر انها بالقرب من زبيد.. إضافة إلى قول ياقوت ان الذنائب قرية دون زبيد من ارض اليمن وبها قبر كليب ..فهل قبر كليب في اليمن؟
مزيد من الدراسات
الدكتور جمعان عبدالكريم الغامدي أستاذ اللسانيات في جامعة الباحة وأحد المهتمين بالنقوش والآثار يضيف: أن إنكار الهمداني في الإكليل أن تكون ديار ربيعة في تهامة اليمن بالقرب من زبيد وهو أدرى علماء اليمن بتاريخ اليمن إلى وقته في أواخر القرن الرابع الهجري، لا يدل على أن ديار ربيعة وبداية حرب البسوس لم تكن في تهامة، فقد أكدت كثير من المصادر التاريخية الأخرى أن العرب كانوا في بداية أمرهم في تهامة ثم تفرقوا، وأشعار المهلهل نص في ذلك، ولكن إنكار الهمداني يدل على أنه لا يعرف موضع بداية الحرب في تهامة، وهذا يرجح أنها في وادي الخيطان في تهامة منطقة الباحة ولكن القول الفصل في التحديد الدقيق لبداية حرب البسوس لن يتم الوصول إليه إلا بإرسال بعثة تنقيب آثار لمعرفة ودراسة اللقى الأثرية، والعظام والنقوش المتفرقة في المواضع التي تتنازع بداية حرب البسوس وقبر كليب وخصوصاً وادي الخيطان، وأبدي استعدادي لمساعدة أي باحث علمي يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة المجردة.