-A +A
محمد حامد
أثار قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان تساؤلات عديدة، حيث إنها كانت رغبة إدارة أوباما وتلكأت في تنفيذها، فصبت كل اهتمامها بتوقيع اتفاق مع إيران وحدث في 2015، ومن قبلها تشكيل تحالف دولي لمحاربة داعش في العراق وسوريا في 2014، وقبل كل هذا نفذت عملية نوعية أدت لمقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مايو 2011، ولكن القرار المتعجل لإدارة بايدن الانسحاب السريع من أفغانستان يفتح تساؤلات عدة مثل: هل هذا الانسحاب سيخلق موجة جديدة من الإرهاب؟ هل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان صفقة أمريكية جديدة مع إيران وتركيا؟ هل يؤثر الانسحاب على سياسات دول الخليج وعلى رأسها السعودية في مكافحة الإرهاب ومحاربة الفكر المتطرف؟

أولا: عودة الإرهاب من بوابة أفغانستان


تاريخيا، دعمت دول عربية المجاهدين الأفغان في مواجهة السوفيت في أواخر السبعينات بداية الثمانينات، ولكن سرعان ما ردت سهام الإرهاب لهذه الدول مرة أخرى، في مصر مثلا هناك قضية المجاهدين الأفغان أو العائدين من ألبانيا، وأيضا المملكة العربية السعودية تأذت كثيرا من المتطرفين الذين شاركوا في حرب أفغانستان، ثم استضافت إيران قيادات القاعدة نكاية بالسعودية والولايات المتحدة الأمريكية، كونها دولة مارقة لا تعبأ بالقانون الدولي.

بعد سنوات ما عرف بالربيع العربي الذي شهد عودة موجة عاتية من التيار المتطرف في سوريا والعراق واليمن وليبيا امتدت لمصر في سيناء تحديدا والسعودية في محاولة الاعتداء على وزارة الدفاع في سبتمبر 2017 أو محاولات تفجير المساجد في القطيف وجدة في 2016، وأيضا في دولة الكويت في 2015؛ بدأت دول الإقليم تنسق في ما بينها لمحاصرة الإرهاب وملاحقة الفكر المتطرف بشتى الوسائل وتعزيز فكر التسامح وتهميش الجماعات المتطرفة وتغيير سياسات لم يكن أحد يتخيل أن تتغير، وهنا أقتبس من كلمة ولي العهد السعودي، عندما قال: «سندمر الفكر المتطرف ونعيش حياة طبيعية»، في مؤتمر مستقبل الاستثمار في أكتوبر 2017، وصولا لسياسات انفتاحية انتهجتها الرياض خلال السنوات اللاحقة، ولكن يبدو أن إدارة بايدن تسعى لإحياء موجة جديدة من التطرف من خلال الانسحاب المتعجل وغير المدروس من أفغانستان، والذي يبدو أنه ورقة جديدة ستخرج من الجعبة الأمريكية لإحياء التيارات المتطرفة مرة أخرى في الإقليم كورقة ضغط على دول الإقليم بعد أن فشلت الموجة السابقة في إدارة أوباما في ما عرف بالربيع العربي، والتي راهنت على جماعات لا تعرف مفهوم الدولة وليست لديها خبرة في إدارة الدولة وإدارة دفة العلاقات الدولية فأسقطت هذه الدول في براثن الإرهاب.

إن طلبات اللجوء من المواطنين الأفغان للهجرة لأي بلد آمن في العالم أكبر دليل على أن مستقبل أفغانستان أسود هو وجيرانه القريبون أو الجوار البعيد، وإن استعادت طالبان زمام الأمور سيحيا الفكر المتطرف من جديد.ثانيا: أمريكا ترحل

وتسلم أفغانستان لتركيا وإيران

من ضمن سياسات بايدن التحفيزية لإيران صناعة دور جديد لطهران في المشهد الأفغاني واستغلال علاقتها التاريخية بطالبان من أجل رسم دور إيراني جديد في أفغانستان برعاية أمريكية، والتي انسحبت لكي تملأ إيران هذا الفراغ الأمريكي! ويكون باكورة التعاون الأمريكي الإيراني فوق الطاولة من خلال البوابة الأفغانية، وهذا ضمن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية للاتجاه إلى وسط آسيا والانسحاب شبه الكامل من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتسعى واشنطن أيضا لمشاركة تركيا في المهمة وهي المتلهفة لتحسين علاقتها بالإدارة الأمريكية الجديدة ودولة في حلف الناتو تشارك منذ زمن في مهام الحلف في أفغانستان بـ500 جندي اليوم وتبادر بالطلب بتأمين مطار حامد كرزاي الأفغاني.

الخليج والانسحاب

الأمريكي من أفغانستان

هذا الانسحاب الذي يتم في الأشهر الستة الأولى من حكم إدارة بايدن يظهر بجلاء نوايا هذه الإدارة برغبتها في تخفيف عدد من دول الإقليم، وعلى رأسها دول الخليج، قبضتها على جماعات الإسلام السياسي التي اشتدت عقب اندلاع الربيع العربي وتضاعفت مع قدوم إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، والتي ترغب إدارة بايدن بمحو وتغيير هذه السياسات كليا، وتسليم بلد إستراتيجي مثل أفغانستان لإيران هو نوع من أنواع تطويق دول الخليج، وهناك خشية أن تعود أفغانستان منصة لتصدير الإرهاب وإمطار دول الخليج بالإرهابيين! أو نشاط الجماعات الخاملة داخل دول الخليج، وعلى الأقل الضغط لتغيير سياسات دول الخليج ومصر نحو جماعات الإسلام السياسي التي تراها الولايات المتحدة الأمريكية جماعات معتدلة يجب أن تندمج داخل الأنظمة السياسية في الإقليم.