-A +A
رامي الخليفة العلي
قبل عشر سنوات، خرج الشعب السوري زرافاتٍ ووحداناً، يطالب بالحرية في مواجهة نظام هو الأعنف في تاريخ المنطقة، ومع ذلك خرج الشعب لعله ينعتق من عبودية لطالما فرضت عليه على امتداد عقود. ومنذ اللحظة الأولى كانت الأنظار موجهة إلى ذروة التطور البشري في إطار الحوكمة، حيث بلغ البشر مرحلة تعهدوا فيها أن يتحاكموا إلى القانون ويحكّموا الشرعية الدولية عبر مؤسسات الأمم المتحدة ودول تدعي أنها تقود العالم الحر. نعم كانت الأنظار تتجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد باعتبارها صدعت رؤوسنا بأنها تقود العالم الحر وأنها تشن الحروب دعماً للشعوب ومناصرة للديمقراطية، فكانت أمام امتحان حقيقي لمواجهة كل أولئك الذين شككوا بنوايا واشنطن عندما احتلت جحافل المارينز الأمريكي بغداد، متعهدا بأنه سوف يبني ديمقراطية تستجيب لمتطلبات الشعب العراقي، ومع إيماننا بأن الديمقراطية لا تأتي على ظهر الدبابة ومع ذلك بقي هناك بصيص أمل بأن تكون الولايات المتحدة مؤمنة بما تدعيه. السفير الأمريكي كان يتنقل بين المظاهرات بما يعني دعماً مباشراً لها. بل إن السفير فورد قام بزيارة عزاء شهيد الثورة السورية السلمية غياث مطر وكذلك ذهب إلى حماة وهي جرح ما زال نازفاً في الوعي الجمعي السوري. لكن إدارة أوباما صمت الآذان وأغلقت العيون أمام المأساة السورية وعمدت إلى تحركات وتصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع، بل إن أوباما صرح بأن استخدام السلاح الكيماوي خط أحمر بما يعني أن النظام يستطيع أن يستخدم كل الأسلحة. وبينما كان حلفاء النظام ينزلون بثقلهم إلى الساحة السورية ويدافعون عن النظام كان دعم الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين أشبه بإعجابات الفيس بوك عديمة الجدوى. بل عندما أوشكت المعارضة السورية على الإطاحة بالنظام أوقفت الولايات المتحدة وصول أي سلاح للمعارضة ومنعت تسليحها بمضادات الطيران لتوقف تدمير سوريا. إذا كان الدعم الإيراني والروسي للنظام ليس له حدود فإن الولايات المتحدة كتفت المعارضة السورية عبر منع تسليحها وإيصال أسوأ الشخصيات الفاسدة لكي تديرها والسماح بنشوء الجماعات المتطرفة على عين من العالم برمته بما فيه واشنطن، وأخيرا الاتفاقات سيئة الذكر بين كيري ولافروف. نعم لقد تركت إدارة أوباما الوضع في سوريا يتهتك، وما يثير السخط والغضب أن أوباما عندما يتطرق إلى المأساة السورية لا يراها سوى من المنظور الطائفي، وكأننا مجرد عشائر بدائية تتناحر وهو الذي ينظر إليها من علٍ. ولكن حتى من هذا المنظور وبهذا المنطق فإن هذه العشائر هي بشر يستحق أن يعيش وينعم بالأمن والسلام الذي سلب من السوريين. عندما جاء ترامب لم ينظر للملف السوري سوى من زاويتين؛ الأولى العداء لإيران الذي لم يترجم عملياً سوى عبر ضغوط اقتصادية لم تفعل الكثير لتغير سياسة نظام الملالي في سوريا، والثانية وعوده الانتخابية بالانسحاب من الشرق الأوسط. وطوال السنوات الأربع الماضية بقي عدم التناغم بين ترامب ومؤسسات الدولة العميقة حتى بدت السياسة الأمريكية متخبطة.

ارتكبت الولايات المتحدة أخطاء وخطايا كان ثمنها دماء غالية، ربما لا يعبأ بها السيد أوباما ولكنها طاهرة وعزيزة علينا وهي أرواح وحيوات وآمال وعائلات، إنها ببساطة وطن. هل سيغير الرئيس الجديد من تلك الصورة المأساوية التي انتجتها الإدارتان السابقتان، نأمل ذلك وإن كنا لا نتوقعه.


باحث سياسي

ramialkhalife@