-A +A
علي بن محمد الرباعي
لا نعلم كثير تفاصيل عن أصله وفصله، ولا ظروفه الاجتماعية، ولا مستوى إدراكه لما حوله، ولا سلامة قُواه وحواسه. ما علمناه أنه أشرس من إرهابي نُزعت من قلبه الرحمة، وأحزم من جنرال حرب تعامل مع الموقف بما تفرضه عليه المهام، وما يمليه واجب الميدان.

أشبه بمستبد عادل ساوى بين الشرق والغرب، وغيّر برنامج حياتهم، وضبط سلوكياتهم، وزرع مهابته في نفوس أقوام استهانت بصحتها وسلامة بيئاتها وتوجهات حكوماتها وتعاليم أديانها فأحكم لجام النزوات وشدّ وثاق الإفراط في الرغبات.


الأكثرية تتهمه بالتطرف وتطالب بمحاكمته وعقابه، والأقلية تبرئه وتدعو له بالهداية والصلاح على أمل أن يستحي ولا يعود لمثلها، ولا تزال المشاعر منشطرة بين من يحسبه كفارة وبشارة ومن يراه عقوبة ونذارة.

هناك من انشغل بتقصي أسبابه ومقدماته ودوافع ظهوره وسر انتشاره، وهناك من اشتغل على التصدي لأضراره وتخفيف أخطاره. هناك من رصد نتائجه وآثاره، وهناك من اتقى وتحاشى التعرض لمساره، وهناك من اعتنى بمتابعة أخباره.

بعض الخلق تراه شراً لا خير فيه، وبعضهم حسبه خيراً محضاً، والبعض استعاد مقولة لعل الخير كامن في الشر.

من الناس ناس تبنوا نقد سياسات الصحة ومنهم من انهمك في تحري صحة السياسات وقوة الإمكانات ودقة الإجراءات ووفرة الميزانيات.

لم يستثن منا أحداً، فبث الرعب ووزع القلق بين الشعوب وأفقد الثقة، وأقام الحواجز وقطع العلاقات. تذكرتُ قصة الطبيب (تشي غيفارا) الذي استبطأ نتائج التطبيب بالعلم وتوفير الأمصال، فاستعاض عنها بمعالجة متاعب المجتمعات بما هو أتعب عليه وعليها، بدءاً من حمل السلاح واستعداء الصديق، وليس انتهاء بخيانة الرفاق في منتصف الطريق.

غاب ساسة عن المشهد لأنه ليس لديهم ما يقولون، ولا بأيديهم ما يفعلون، ودفعت ملائكة رحمة حياتها ثمناً في سبيل استمرار واستقرار الحياة لأنهم يرجون من الله ضعف ما نرجو، وأثرى تجار المنعطفات الخطرة، واستفاد باعة الوهم في السهول المنحدرة.

كان درسه وما زال واضحا. جدد في الكل عشق الحياة والتمسك بها، وخلّص المئات من عادات وألزم الملايين بأدبيات، ولعل أبلغ وأصدق ما فرض على الإنسان الجهول الظلوم، إعادة النظر في تطاوله على الكون بالإسراف والتلويث والعبث والممارسات الجائرة ولفته إلى أن حق الطبيعة أن تنتقم لنفسها وترد الصاع صاعين.

من الأسئلة المطروحة اليوم هل نواظب على نظافة وصحة القلب والروح والنفس والعقل والجسد والبيئة، وهل استوعبنا الدرس، وكيف ستكون أخلاقنا غدا؟ وما عدالة محاكمة الإرهابي كورونا؟

من أكبر النعم أن الجائحة أزالت الحجب وقشعت الغشاوة عن أنصع وجه لهذا الوطن الذي رفع معنوياتنا وعزز ثقتنا في قيادتنا التي فاقت كل القيادات بحرصها علينا وعنايتها بنا واحترامها لنا وقربها منا وثقتها بنا بتجنيدها مؤسساتها ومسؤوليها الأكفاء لتولي أمر صحتنا وأمننا ومعيشتنا بعد الله. والدرس لن ينتهي طالما هناك طلاب أذكياء.

كاتب سعودي

Al_ARobai@