-A +A
عبدالرحمن الجديع
تمثل وسائل الإعلام المختلفة منابر ثقافية وفكرية واجتماعية لقرائها. ويستقي الجمهور الكثير من المعلومات والأفكار من الصحف والمواقع الإعلامية المختلفة التي تسهم، بلا ريب، في صياغة المواقف، والتأثير على الرأي العام، بما تبثه وتنشره من أطروحات وآراء في مختلف المواضيع، سياسية كانت أم اجتماعية، أم اقتصادية، وسوى ذلك.

وقد جاء المنتدى الإعلامي السعودي، الذي عقد دورته الأولى في الفترة ٢-٣ ديسمبر الجاري، بعنوان «صناعة الإعلام الفرص والتحديات» ليجيب عن أسئلة كثيرة تتصل بممارسة العمل الصحفي، وضرورة إعادة الاعتبار للحقيقة، والالتزام بمواثيق الشرف المهني.


وشارك في إثارة هذه الأسئلة وطرح سواها، عدد واسع من النخب الإعلامية والفكرية، والمسؤولين في المملكة وخارج المملكة، وكان المنتدى حدثاً بارزاً سلط الأضواء على صناعة الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع والرقمي. كما تناول واقع الإعلام اليوم والتحديات التي تواجه المؤسسات الإعلامية في ظل المنافسة ومعطيات العصر الجديد.

رئيس المنتدى محمد الحارثي أكد أنّ المشاركة الكبيرة من دول مختلفة في المنتدى تعكس الاهتمام الكبير للإعلام، ورغبته في متابعة ما يحدث في المملكة، ومراقبة التطورات الإيجابية ورؤيتها من الداخل. ومن بين من شارك في المنتدى: سمير عطا الله، وعبدالرحمن شلقم، وسعد بن طفلة العجمي، وضياء رشوان، ووائل الأبراشي، ومعتز الدمرداش، وسواهم. ومن الجانب السعودي شارك كثيرون من بينهم عبس الغيث، وفيصل المعمر، ومعالي وزيري التجارة والمالية، ووزير الإعلام الذي ألمح إلى مشاريع قنوات جديدة ستنبثق لتتلاءم مع المرحلة الجديدة التي تمر بها المملكة.

المنتدى حظي بوجود إعلاميين سعوديين أناروا المنصة مثل جميل الذيابي، رئيس تحرير صحيفة «عكاظ»، وعضو مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين، الذي تحدث بأسلوب مهني عن المفاهيم التي ينبغي تبنيها من قبل الصحافة الورقية لضمان استمراريتها، مؤكداً على ثبات المهنة وتغير الوسيلة، وأنّ قدَر الصحافة أن تمر بتسارعات ذات وتيرة عالية ومتطورة ولا تقبل التثاؤب. ودعا الذيابي أيضاً إلى أهمية مواكبة التطورات والمستجدات في صناعة الصحافة، لإرضاء شغف الحصول على المعلومة، وأن تعمل الرسالة الإعلامية على محاكاة الذهنية الجديدة، مؤكداً في الوقت نفسه على الحاجة لميثاق شرف إعلامي حقيقي، وخصوصاً في ظل انعدام قواعد النشر وأعرافه والمعايير المهنية لدى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.

كما تناول علي العلياني أهمية برامج الحوار «التوك شو»، مشدّداً على ضرورة احترام آراء الناس. فالصحافة بما أنها سلطة رابعة عليها احترام الحقيقة، والانحياز للوطن والناس، مؤكداً على ثنائية المسؤولية والموضوعية في أي عمل إعلامي.

وتعددت محاور المنتدى؛ بحيث شملت جوانب كثيرة وغنية يضيق بحصرها هذا المقال، لذا أشير إلى محور عن الدبلوماسية والإعلام الذي شارك فيه السفراء علي عسيري، وفيصل طراد، وأسامة النقلي، وسعود كاتب، الذين تناولوا العلاقة بين الدبلوماسية والإعلام من منظور خبرتهم. وتحدث في هذا الجدل السفير تركي الدخيل الذي حلق بجناحي الدبلوماسية والإعلام وجمع بين ثراء التجربة الإعلامية وغنى العمل الدبلوماسي، وجذب اهتمام الحاضرين في حديثه الذي تطرق فيه إلى أنّ هناك تقاطعاً بين الإعلام والدبلوماسية، وأنهما وجهان لعملة واحدة يحرك ويكمّل كل منهما الآخر، مشيراً إلى أهمية ألا تنظر الدبلوماسية إلى الإعلام كخصم؛ لأنّ مقتضيات العمل الدبلوماسي تتطلب التعامل مع الإعلام والشراكة معه، موضحاً أنّ الإعلام مثل الكأس يحتاج لمن يملأها، فالدبلوماسي الناجح يجب أن يملأ تلك الكأس، قبل أن يملأها غيره بما لا يتوافق مع عمله. وأكد الدخيل أنّ الدبلوماسية التقليدية تغيرت مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما سهّل من مهمة العمل الدبلوماسي.

مجمل القول إنّ المنتدى الإعلامي كان حدثاً ضرورياً لتبادل الأفكار وإطلاق المبادرات وإغناء الآراء، إذ إنّ أهمية الإعلام تتجلّى بمقدار الجهود التي تبذل وتتحلى بالمصداقية؛ لأنّ العملية الإعلامية أمانة ومسؤولية قبل أن تكون مهنة ومنهج حياة، فضلاً عن كونها تؤثر وتتأثر وتثقف وتتثاقف مع المجتمعات العربية، لاسيما أنّ العالم الجديد يشهد ثقافة جديدة في التقنية، مع سيطرة الإنترنت والإعلام الرقمي والواقع الافتراضي وأساليب الاتصال من خلال مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك ويوتيوب. أضف إلى ذلك «الانفجار» المرتقب في عالم المعلومات مع انطلاق العمل بتقنية (5G). مسؤولية الإعلام السعودي الآن أن يواكب هذه التطورات المتسارعة، وأن يرتقي في إبراز الصورة المشرقة للمملكة، وإظهار المكانة المرموقة التي تتبوؤها، وإعطاء المجتمعات الأخرى فكرة حقيقية عما يحصل في المملكة حالياً من نهضة حضارية وانفتاح وتمكين للمرأة، وشرح سياسات المملكة، وتظهير مواقفها إقليمياً ودولياً، باحترافية وذكاء.

* كاتب سعودي