-A +A
علي بن محمد الرباعي
في زمن ظهور البقالات في القُرى كان بعض مُلّاكها متسامحا في البيع للناس بالآجل. ويسجّل في دفتر المديونية المبالغ المستحقة على القرويين، وربما يزيد في السعر ريالا أو ريالين أثناء تدوين الدَّين. علّق أحدهم عليه قائلاً «أنت زوّد ونحن ما بنسدد»، مؤكد أن العقوبات والحدود في الإسلام لها غايات إصلاحية. وأتاحت الشريعة للقاضي أن يعفو عن المتهم متى كان العفو أصلح، ومن مقولات الفاروق رضي الله عنه «لئن تخطئ في العفو خير من أن تخطئ في العقوبة». ومقاصد الشرع تجعل من المصلحة والمفسدة معياراً في تطبيق التعازير من عدمها خصوصاً المتعلقة بالحق العام.

جاءت العقوبات والزواجر لغاية إصلاح المجتمع وتأديب أفراده الجانحين، وتهذيبهم، وأعطت للحاكم حق الاجتهاد في اختيار ما يراه مناسباً لحال ومآل الجاني أو المفسد، إذ إن استصلاح الشخص وإقناعه بالعدول عن سلوك ما أولى وأفضل وأجمل من الاستمرار في معاقبته دون الأخذ بيده إلى التوبة والإقلاع عما اقترفه.


اليوم نحن في زمن تقنين لكثير من شؤون حياتنا. وتلازم التقنين بفرض غرامات مالية هي ظاهرة طبيعية في معظم دول العالم، إلا أن مجتمعنا بحكم عاطفته الدينية الجياشة، ومكارم أخلاقه، سيكون سريع الاستجابة للانضباط واحترام الأنظمة والقوانين فيما لو تداركنا بعض العقوبات بخُلق العفو والمسامحة على الأقل في المخالفة الأولى.

أتصور أن شريحة من سائقي المركبات لم يقلعوا عن المخالفات المرورية برغم المبالغ الباهظة التي تسجّل عليهم، وتراكمها مع الوقت، وتعاظم أثرها أحياناً في نفس ذوي الدخل المحدود، ما يعطي انطباعاً لدى البعض أن نظام التغريم -مرورياً كان أو غيره- لا يعنيه أن يتحول الشخص إلى مواطن صالح قدر تحصيل المزيد من مبالغ المخالفات.

لستُ ضد الرقابة الصارمة، ولا العقوبات الحازمة، إلا أن الرحمة والتخفيف والتيسير جزء من شريعتنا وعاداتنا، ويمكن أن نتعجب ونحن نتابع بعض الفيديوهات لقاضي محكمة مرورية في الغرب، وهو يسأل السائق عن سبب المخالفة، ويتيح له فرصة التبرير، ويبدأ بمناقشة الحضور حول معقولية الغرامة المطلوبة، ويصل إلى حد إسقاطها أو يقوم بسدادها عنه.

بدائل العقوبات أو العقوبات البديلة ظهرت في بعض محاكمنا، وتبناها بعض القضاة، وكانت محل تقدير وإعجاب، فهل يمكن التفكير في عقوبات بديلة للمخالفات تتدرج من إشعار إلى إنذار إلى تحرير؟