-A +A
مي خالد
هناك من يعمل ليل نهار على استلاب الوعي الإنساني في جميع منتجات الحضارة الراهنة.

استلاب الوعي عبر تلقينا لجميع أشكال المعارف والفنون التي يقدمونها لنا بالطريقة التي يرغبون هم في تقديمها وليس كما يجب، على سبيل المثال: الإعلانات تقوم على الإبهار واللعب على المنطق وما تستقبله الحواس من جاذبية زائفة كي نتبع الوهج ونستهلك دون تفكير أو تأمل أو وعي.


وقس على ذلك المثال جميع المنتجات في «حضارة ما بعد الحداثة»، من اقتصاد وسياسة وغيرهما من مناحي الحياة المختلفة.

الوعي لغة هو التضمين، ومن ذلك جاء اسم الوعاء لأنه يتضمن ما يوضع فيه من مأكول ومشروب وغيرهما. ووظيفة الوعي هي وضعنا في حالة إدراك للواقع واستيعابه بما يتضمنه العقل ويعيه عبر منافذ الحواس. والوعي وعاء الأفكار والمشاعر والأحكام والمبادئ والقيم.

ويسهل خداع الوعي لأنه يتضمن ما هو وهم وما هو حقيقي. على سبيل المثال: وعينا لغروب الشمس، فنحن نتلقى بحواسنا مشهد الشمس المهيب أثناء غروبها. والغروب حقيقة أكيدة لكنه في ذات الوقت ما هو إلا وهم، فالشمس لا تغرب حقيقةً بل تدور حول الأرض، وما غروبها إلا انعدام لرؤيتها من الجهة التي نقف عليها في الأرض، بينما أشخاص آخرون على الجانب الآخر من الكرة الأرضية يرونها في نفس الوقت الذي تغيب فيه عن أفق رؤيتنا.

ومن عجائب الحضارة البشرية أنه لا يوجد في البحث العلمي ما يمكن الاصطلاح عليه بتعبير (علم الوعي) ومبرر العلماء المعاصرين هو أن الوعي ذاتي ولا يمكن دراسته!.

وأظن أن هناك الكثير من الدراسات التي تخص الوعي في مختلف العلوم الإنسانية وبنيت على أسس منهجية لكن تأخر هذا المجال غير مفهوم عندي وغير مبرر، خاصة أن هناك وعيا جمعيا يمكن دراسته وتحليله، ولا يمكن اعتبار جميع الوعي وعيا ذاتيا.

سيكون أول كتاب في ما يمكن تسميته (علم الوعي) من أعظم كتب البشرية بعد الكتب السماوية. والله أعلى وأعلم.