-A +A
عبداللطيف الضويحي
لست متأكدا من عدد السعوديين المتاح لهم الوصول إلى الخدمات المالية والمنتجات البنكية رسمياً في المملكة، غير أن تقريرا لاتحاد المصارف العربية يتحدث عن أن نسبة 71% من البالغين في الوطن العربي محرومون من الخدمات المالية والمنتجات البنكية الرسمية في الدول العربية، أي ما يعادل (168 مليون نسمة)، غير أن هذه النسبة ترتفع إلى 76% بين النساء، و93% بين الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل في الدول العربية.

من الحكمة أن نستحضر الأهداف الاجتماعية ونحن في لحظة قطاف الأهداف المالية والاقتصادية، فالكثير من الأهداف الاجتماعية الناجحة في العالم ولدت من رحم الأهداف المالية والاقتصادية، بل إن بعضا من تلك الأهداف بقيت حاضنة رؤوما أبد الدهر لأهدافها الاجتماعية مثلما هي برامج المسؤولية الاجتماعية.


في خضم سعينا لتحقيق أهدافنا المالية والاقتصادية في عملية اكتتاب أرامكو، علينا أن نبحث عن أهدافنا الاجتماعية، ويجب ألا ننسى أهدافنا الاجتماعية. فالتفكير العميق والتخطيط البعيد سيوصلنا حتما إلى الاستنتاج بأن الكثير من الأهداف الاجتماعية يمكنها أن تحقق أهدافا مالية واقتصادية على المدى المتوسط والبعيد، بعد أن تستنفد فترة حضانتها الاجتماعية وتشب على الرضاعة، فتصبح نتائجها اقتصادية ومالية بامتياز.

أتمنى ألا نفوِت فرصة اكتتاب بحجم وقيمة وأهمية اكتتاب أرامكو، بحيث يتم تمكين الأفراد والفئات والكيانات الهشة في المجتمع من خلال الاكتتاب لهم مباشرة أو غير مباشرة: مثل شريحة الضمان الاجتماعي، وبعض ممن هم ضمن شريحة حساب المواطن، وشريحة العاطلين عن العمل، وبعض شرائح المتقاعدين، والأرامل، والأيتام، ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، وبعض الجمعيات الأهلية الضعيفة أو الأسر الغارقة بالمديونيات.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن هذا المقترح قد لا يكلف خزينة الحكومة مبالغ كبيرة، لأن عدد الأسهم المطلوب في بعض الحالات هو رمزي جدا مثل حالة تعويد الطلاب على الادخار. ولأن الاكتتاب في بعض الحالات هو اقتطاع مما تدفعه وزارة العمل والتنمية الاجتماعية لصالح الجمعيات وبعض فئات المجتمع، ولأن الاكتتاب في حالات أخرى هو اقتطاع مما يتم تخصيصه من أموال الزكاة لتلك الفئات والجمعيات، ولأن الاكتتاب في حالات يتم تمويله من تبرعات القطاع الخاص على سبيل المسؤولية الاجتماعية أو هو صدقات مما يقدمه أثرياء المجتمع في حالات أخرى (إذا تمت إجازتها شرعيا).. لا بد من أن تتم دراسة استيعاب وشمول الأفراد والفئات والكيانات ممن هم خارج النظام المالي أو ممن يعدون في حاجة لتقوية وتحسين إمكاناتهم الاقتصادية والمالية وتحويلهم إلى قوى اقتصادية فاعلة ومنتجة، بحيث يتم الاكتتاب لبعض هذه الفئات من الأفراد على سبيل الاستثمار المتوسط وبعيد المدى، بينما يتم الاكتتاب للجمعيات الأهلية أو بعضها على سبيل «الوقف»، بحيث يتم تسجيل الوقف من الأسهم باسم الجمعيات الأهلية فيكون بمثابة مورد مالي مستديم للجمعيات الأهلية على المديين المتوسط والبعيد.

هناك فئة أخرى أتمنى أن يتم استهدافها وشمولها بالاكتتاب في أرامكو من خلال هذا المقترح. هذا الاستهداف هو على سبيل «الادخار» وليس على سبيل «الوقف» أو «الاستثمار»، لأننا هنا ننشد تغيير سلوك استهلاكي بالمقام الأول، وهذا طبعا لا يلغي أن يتحول الهدف إلى هدف آخر، بعد النجاح بتغيير السلوك الاستهلاكي لدى الشرائح المستهدفة.

كيف؟ إن بعض الصعوبات «غير المباشرة» التي تحد من الإسراع بتطبيق وتنفيذ برامج التحولات الاقتصادية المنبثقة عن رؤية المملكة 2030، يعود إلى استفحال السلوك الاستهلاكي والثقافة الاستهلاكية المتجذرة لدى قطاعات عريضة من الشعب السعودي بل وكثير من الشعوب العربية المجاورة، حيث لا نرى في الغالب سوى رأس الجبل الجليدي من الأسباب عند بروز أي مشكلة على السطح. فلأن تغيير السلوك والثقافة الاستهلاكية يتطلب جهودا كبيرة ووقتا طويلا، أقترح أن نلجأ لأقصر الطرق لتغيير هذا السلوك والثقافة الاستهلاكية والحد منها عن طريق استزراع أو استنبات ثقافة الادخار، ربما عن طريق فرض ثقافة الادخار على طلاب المدارس، وهذا في ظني سيجعل الطلاب والطالبات يعتنقون شيئا فشيئا الادخار على حساب السلوك الاستهلاكي المفرط والذي أضر بصحة وعقول ونفسيات بعض الأطفال، وهذا بالمناسبة أحد أهداف وغايات رؤية 2030.

ولأن المسافة كبيرة بين كثير من الطلبة وعالم الادخار، أقترح أن تتولى جهة رسمية الاكتتاب لهؤلاء الطلبة رمزيا وبعدد قليل من الأسهم بغرض استدراجهم إلى تلك الثقافة الجديدة، على أن يتم تقييم كل تلك البرامج في ما بعد ويتم التأكد من تحقيقها للأهداف.

إن تمكين فئات المجتمع الضعيفة في أي مجتمع كفيل ليس بتوفير الحماية الاجتماعية لها فحسب، وليس بكبح المخاطر الأمنية فقط، لكنه كفيل بتفجير الطاقات والفرص بآفاق واسعة قد تتجاوز المكان والزمان.

* كاتب سعودي

Dwaihi@agfund.org