-A +A
حسين شبكشي
لسنوات طويلة جدا تم ربط الحداثة والعصرنة والتطوير بالتغريب، وتم شيطنة مفهوم التغريب هذا بأنه تمهيد لإخراج الناس من عاداتهم وتراثهم وأخلاقهم وشخصياتهم ودينهم. فزاعات مخيفة تم رفعها والتلويح بها تهديدا ووعيدا. وتم ربط كل ذلك بالخروج عن الدين لأن «كل ذلك» هو من باب البدعة التي من الضروري أن يذكرونا بأن «كل» بدعة ضلالة و«كل ضلالة في النار». وتم خلق حواجز وأسوار وخنادق بيننا وبين دول العالم المختلفة، تم تحريم دراسة «علومهم» والحث على تجنب «ثقافتهم» والحذر من «صحبتهم». وأصبح نتيجة ذلك التشكيك العميق في الاستفادة من علوم الطب الآتية من الغرب كالأنسولين والبنسلين والإسبرين أو الاطلاع على روايات تشاركز ديكنز وفيكتور هوجو وانطون تشيخوف، أو التعلم من أساطير الإدارة كستيفين كوفي أو بيتر دراكر لأنها جميعا من «عندهم».

التطوير والتغيير سنة إلهية في الكون، فدوام الحال من المحال. وهذا النوع من الطرح المليء بإخافة الناس من الآخر المختلف لا يطرحه إلا الخائف والمضطرب وغير الواثق من نفسه. السعودية اليوم تستلم الوثائق الرسمية لاستضافة قمة العشرين، وهي كما وصفها أحد المحللين الاقتصاديين أشبه «بالأولمبياد الاقتصادي»، وهي خطوة عميقة لدفن الأفكار الانعزالية التي ولدت تقوقعا أساسه الشك والريبة والخوف من الآخر. يا ترى كيف كان سيكون الوضع مع الأمريكي ماكس ستينكي (مكتشف أول بئر بترولي في السعودية)، والقبرصي اليوناني الخواجة يني صاحب أشهر بقالة في جدة القديمة، وجميل بارودي الدبلوماسي العربي الذي كان سفيرا للسعودية في الأمم المتحدة، وهم يرون السعودية الجديدة اليوم، هل كان بالإمكان أن يصبحوا مواطنين فيها. السعودية تتغير وتدفن مع هذا التغيير مفاهيم لا تقبل ولا تليق وتصطدم بالرسالة الكونية التي انطلقت من أراضيها. الحداثة هي تأكيد للتغير ومواكبة ذلك ضرورة وإلا انقرضنا كقيمة في هذا العالم.


* كاتب سعودي

hashobokshi@gmail.com