-A +A
رشيد بن حويل البيضاني
لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي تعكس ثقافته وتراثه، وقد أسهمت وسائل الاتصال من إعلام وصحافة و«إنترنت» وهواتف ذات صوت وصورة، في تقريب العادات، وتقليص الاختلافات، لتبقى في النهاية لكل مجتمع خصوصياته، ولقد أصبحنا في عصر يصعب على المرء أن يغلق ما حوله من نوافذ وأبواب قد تأتي من خلالها نسمات منعشة هادئة، وقد تأتي كذلك رياح عاتية، تبعثر ما في طريقها، بل وقد تدمر ما يحول دون مرورها وعبورها.

ولما كنا بحاجة إلى فتح النوافذ والأبواب، لننعم بما يمر من خلالها من ضوء وهواء نقي، فإننا بحاجة أيضا إلى أن نتقي شر ما قد يأتي من «زوابع» و«أعاصير»، بل وما قد يدخل من حشرات وآفات ضارة.


و«الموضة» هي إحدى الحشرات التي تدخل علينا بعضها، وهو القليل، يكون نافعا، وأكثرها ضار للغاية، ضار بأجسادنا وقلوبنا وعقولنا، بل وبديننا، فمن هذه العادات الدخيلة على مجتمعنا «مكياج العزاء».

لا تندهش عزيزي القارئ، فأنا لم أخطئ التعبير، لكنك ربما لم تسمع به أو لم تتوقعه.

نسمع عن جراحات لتغيير شكل الأنف وغيرها، ومساحيق تحول اللون الطبيعي إلى ألوان الطيف، وقرأت أن ما ينفق على مستحضرات التجميل في العالم يصل إلى أكثر من مائة وثلاثين مليار دولار سنويا، هي كفيلة بإنقاذ ملايين من البشر الذين يموتون لنقص في الماء والغذاء والدواء.

أما «مكياج العزاء»، فهو عبارة، وإن كنت لم أره بعيني، وإنما سمعت به، عن إضفاء مسحة من الحزن والكآبة على وجه المرأة في مجلس العزاء، حتى تبدي تعاطفها وحزنها مع من يستقبلنها من صاحبات العزاء.

بدعة سخيفة بحق، وإني لأعجب أن تلجأ إليها بعض نسائنا، لتزيد من ملامح الكآبة على وجهها، ولا شك أنها بدعة ليست من صنعنا، لأننا نؤمن بأن الحزن في القلوب، وقد ينعكس على الأبدان، لكننا مأمورون بالاعتدال في أفراحنا وأتراحنا.

هل هذا شيء يقبله العقل السوي السليم؟! مكياج العزاء، عادة سيئة لا شك أنها دخلت من تلك النوافذ والأبواب التي فتحت أمامنا في العصر الحديث ولا يمكن أن تحكمها القوانين والأنظمة، إنما تحكمها الأخلاق الفاضلة، على الرجل والمرأة أن يمارسا حقهما في النصح والإرشاد، أوقفوا هذا السفه، قبل أن نحاسب عليه على ما بددنا من نعم، فمن حق شكرها أن نصرفها في ما يفيد البلاد والعباد... ولا أراكم الله مكروها في عزيز لديكم.