-A +A
رامي الخليفة العلي
جاءت التسريبات التي كشف عنها موقع إنترسيبت ونشرتها صحيفة نيويورك تايمز لتؤكد المؤكد، وهو مقدار الهيمنة الإيرانية على الساحة العراقية، الجميع كان يدرك هذه الهيمنة الإيرانية ولكن لم يتوقع أحد أن تكون السيطرة الإيرانية قد وصلت إلى هذا الحد، فالأمر لا يتعلق بتوجهات عامة يقوم رجال يتبعون لنظام الملالي بتطبيقها، وإنما تفاصيل التفاصيل التي يسهر الحرس الثوري على تنفيذها، خذ على سبيل المثال مطار بغداد الدولي حيث أوضحت الوثائق السيطرة المطلقة والمراقبة الإيرانية اللصيقة لكل ما يدخل ويخرج من هذا المنفذ الدولي، والأمر يتكرر في كل مؤسسات الدولة العراقية. نظام الملالي لا ينظر للعراق باعتباره دولة حتى لو كانت تابعة له، ولكنه ينظر إليه باعتباره جمهورية موز يرسل إليها أحد ضباط الأمن، ووفق المعادلة الإيرانية يكون ذلك من مهام الحرس الثوري وخصوصا فيلق القدس، لذلك فإن من يتولى إدارة شؤون العراق هو قاسم سليماني، وهذا الأخير هو الحاكم الفعلي للعراق، حيث يجلس رجال السياسة ورجال الإدارة العراقية بشقيها العسكري والأمني وكذلك الشق المدني، يجلس كل هؤلاء أمامه كالتلاميذ الصغار حيث يلقي عليهم أوامر مرشده. لذلك عندما طالب المتظاهرون بإسقاط حكومة عادل عبدالمهدي فإن سليماني أمر كل السياسيين بمساندة عبدالمهدي بغض النظر عن رأيهم، وهذا يفسر تغير موقف التيار الصدري بين ليلة وضحاها وغض نظره عن مطالباته السابقة بإسقاط الحكومة. والأمثلة في هذا السياق أكثر من أن تعد.

إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الهيمنة الإيرانية على العراق، التي هي في واقع الحال احتلال غير مسبوق تاريخيا، فقد استطاع نظام الولي الفقيه أن يسيطر على كافة الأطراف السياسية، كما أن الأمر ينطبق على لبنان عبر أداة النظام الإيراني (حزب الله) عند ذاك تصبح ثورة أكتوبر في العراق ولبنان هي ثورة استقلال وطني قبل أن تكون ثورة لتحقيق حياة كريمة ومحاربة الفساد وإقامة دولة المواطنة، لا بل إن مطالب المتظاهرين المتمثلة بالدولة الحديثة لا تتحقق إلا بالاستقلال الوطني وبطرد نظام المرشد. يعلم الشعب العراقي وشقيقه اللبناني أن تحقيق التغيير مسألة في غاية الصعوبة أمام تغلغل النظام الإيراني الذي تحول إلى ورم سرطاني يضرب جسد الأمة برمتها، يساعده المتسلقون والفاسدون والأيديولوجيون. الوثائق التي أفصحت عنها النيويورك تايمز أوضحت أن هناك الكثير ممن لا ينتمون أيديولوجيا إلى الفضاء العقائدي الذي تعتمد عليه إيران، كانوا أيضا جزءا من إستراتيجية نظام طهران، خذ على سبيل المثال بعض قادة الكرد، ولكن الصادم هو اللقاء الذي جرى في عام 2014 بين فيلق القدس الذي كان في ذلك الوقت في ذروة إيغاله في الدم السوري وجماعة الإخوان المسلمين، وكان الهدف هو التنسيق لمواجهة المملكة العربية السعودية والتآمر عليها، وكان ذلك برعاية الاستخبارات التركية وعلى الأراضي التركية وفي أحد فنادق إسطنبول كما تكشف الوثائق. الأسوأ من ذلك أن هذه العلاقات الاستخباراتية بين الحرس الثوري الإيراني وجماعة الإخوان المسلمين والاستخبارات التركية، كانت تتم والخطاب التركي وخطاب الإخوان المسلمين كان يدفع عشرات الآلاف من السوريين نحو مقصلة القتل ودفع مئات الآلاف للجوء والتشرد.


في لحظة النشوة التي يعيشها النظام الإيراني وفي ذروة الغطرسة جاء الزلزال من المنطقة غير المتوقعة، حيث خرج العراقيون الذي ظنت إيران أنها أحكمت السيطرة عليهم، خرجوا يطالبون بدولتهم وبحقوقهم ورفضا لكل ما أنتجه الاحتلال الإيراني من طبقة سياسية فاسدة. والمفاجأة في لبنان لم تكن أقل وطأة على نظام الملالي، عندما تجاوز اللبنانيون النظام الطائفي المترسخ سياسيا واجتماعيا وخرجوا يريدون وطنا للجميع ورفضا للطبقة السياسية برمتها. شعر النظام الإيراني بأن هناك عاصفة تواجه سياسة الهيمنة التي يتبناها، فما كان منه إلا أن حاول الانحناء للعاصفة فأعلنت أذرعته وأتباعه في كلا الدولتين بأنهم يتفهمون المظاهرات وأنها محقة، وبدأ البحث عن بعض المعالجات التي تطال هوامش التبعية كما في الورقة الإصلاحية التي أعلنها الرئيس الحريري أو الإصلاحات التي أعلن عنها عادل عبدالمهدي. وعندما فشلت تلك المحاولات انتقل أتباع إيران إلى رفض تقديم أي تنازلات واتهام المتظاهرين بأنهم تابعون لدول أجنبية (وكأن إيران هي جزء من العراق أو لبنان) وبدأ منذ ذاك استخدام العنف بوتيرة أكبر فسقط أول شهيد في لبنان وازداد أعداد الشهداء في العراق. من الواضح أن الصراع حاليا هو بين نظام المرشد الإيراني وأتباعه من جهة وشعوب المنطقة من جهة أخرى، ولن يتوانى الطرف الأول عن استخدام كل الوسائل لقتل الشعب العراقي وكسر إرادته وكذلك إعادة الشعب اللبناني إلى الانقسامات الطائفية لأنها وسيلة إيران للسيطرة على هذا البلد. ولكن ما لم يكن بالحسبان أن تنتقل شرارة الرفض إلى الداخل الإيراني وهو ما أصاب النظام بالجنون، فلم يعمد إلى المراحل التي تحدثنا عنها في الحالة العراقية واللبنانية، بل انتقل نظام الولي الفقيه إلى استخدام العنف منذ اللحظة الأولى. النظام الإيراني يخوض المنازلة الكبرى ويريد كسر إرادة الشعوب ولكن هيهات، قد تخسر هذه الشعوب جولة ولكنها بالتأكيد سوف تكسب الحرب، وسوف تصل للاستقلال الوطني وسوف يخرج المحتل الإيراني مذموما مدحورا، يرونه بعيدا ونراه قريبا.

* كاتب سعودي

ramialkhalife@