-A +A
هاني الظاهري
هناك حكاية عربية قديمة تقول إن رجلاً دخل منزله يوماً فوجد زوجته تبكي بشدة، ففزع وتلفت يمنة ويسرة محاولاً معرفة سبب بكائها لكنه لم يلحظ شيئاً غريباً في المنزل..

سألها وهو يكاد ينفجر قلقاً: ماذا حدث؟ لماذا تبكين بهذا الشكل؟


فأجابت وهي تمسح دموعها: إن العصافير التي فوق الشجرة المطلة على منزلنا تنظر إليّ حينما أكون دون حجاب وأخشى أن يكون ذلك معصية لله أُحاسب عليها!

اندهش الزوج من مدى تعفف زوجته وتقواها التي لم يسبقها إليها أحد، وامتلأ قلبه فرحاً بقدره ونصيبه الذي ساق إليه هذه الزوجة الصالحة، فقبل رأسها وذهب إلى السوق وابتاع فأساً قطع بها الشجرة وشرد العصافير نزولاً عند رغبة زوجته العفيفة.

بعد أيام عاد الزوج من عمله مبكراً، فوجد زوجته في أحضان رجل آخر داخل منزله، فصُعق من هول الأمر، ثم تماسك وعرف أن هذا ابتلاء من الله له، وخرج حزيناً محترق القلب لا يلوي على شيء مقرراً مغادرة مدينته على الفور إلى مدينة بعيدة لا يعرف أحداً فيها، ولا يعرفه أحد من سكانها، علّه يبدأ حياة جديدة تنسيه الماضي الذي هرب منه.

وما كاد الرجل يصل إلى المدينة الجديدة حتى وجدها تضطرب بضجيج أهلها الذين تزاحموا حول قصر الحاكم في رابعة النهار، فسأل أحدهم عن سبب هذه الجلبة فأخبره بأن خزينة الحاكم تعرضت للسرقة ليلاً ولا يزال السارق طليقاً لا يعرفه أحد.

في هذه الأثناء مر بجوار بطل القصة رجلٌ يسير على أطراف أصابعه بشكل ملفت وغريب، فسأل عنه وعن سبب طريقته الغريبة في المشي، فقيل له: هذا شيخ المدينة وأتقى أهلها وهو يمشي على أطراف أصابعه خشية أن يدهس نملة فيُحسب عليه إثم ويكون عاصياً لله!

حينها صرخ صاحبنا قائلاً: تالله لقد وجدت السارق.. أرسلوني لحاكمكم يرحمكم الله!

فأخذوه إلى الحاكم وعندما وقف بين يديه قال: سيدي الحاكم إن شيخ المدينة هو من سرق خزينتك وإن كنتُ كاذباً فلك أن تأمر بقطع رأسي!

عندها أمر الحاكم جنوده بإحضار شيخ المدينة وبعد التحقيق معه تبين أنه هو السارق فعلاً، فاندهش من ذلك واستدعى الرجل الغريب الذي كشفه وسأله: كيف عرفت أن شيخ مدينتنا لص وأنت غريب لا يعرفك أحد فيها؟

فأجاب: «سيدي الحاكم علمتني زوجتي أن المبالغة الشديدة في إظهار الالتزام بالفضيلة والتقوى إنما هي غطاء لجرم عظيم».

انتهت الحكاية هنا، لكن الحكمة منها قائمة حتى قيام الساعة.. ولذلك عندما تجد عزيزي القارئ شخصاً يبالغ في إظهار صفة ما بشكل فج فتذكّر «صاحبة العصافير».

* كاتب سعودي

Hani_DH@

gm@mem-sa.com