-A +A
يحيى الامير
الصدمات الثقافية والمعرفية هي في الغالب صدمات إيجابية، لقد عالجت كثير من الحضارات أزماتها وملفاتها المزمنة عن طريق الصدمات الإيجابية التي كان هدفها الرئيسي إعادة توجيه القاطرة نحو مزيد من الصواب والواقع ونحو المستقبل.

كانت أضخم مراحل إعادة النظر في التعليم لدينا ووضعه تحت مجهر الفحص والتدقيق تلك التي حدثت بعد العام 2003 والمتأثرة بموجة الإرهاب التي شهدتها البلاد والمنطقة على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغزو العراق ونشاط تنظيم القاعدة، في تلك الفترة التفتنا نحو التعليم ومناهجه وما إذا كانت تحمل خطابا متشددا وباعثا على الكراهية والعنف.


في الواقع أن ثمة اختزالا هنا، إن ما هو موجود في مناهج الفقه والعقائد والتفسير والحديث وغيرها ليس خاصا بالمناهج الدراسية السعودية، إنها مناهج تعتمد الموروث القابع في الكتب والمدونات منذ مئات السنين، وبالتالي فالمشكلة ليست في المنهج بقدر ما هي في الأساس الذي اعتمد عليه، والذي يمثل أصلا مشكلة ثقافية وحضارية للأمة بشكل عام، وبالطبع فقد مكن ذلك الواقع في فترة زمنية ما القائمين على وضع المناهج من أصحاب التوجهات الحزبية والحركية من انتقاء الأحكام والقراءات والتفسيرات الموروثة التي تلائم توجهاتهم وتفكيرهم.

ربما يكمن التحدي لدينا في غياب ما يمكن وصفه بفلسفة التعليم، ما الذي نريده من التعليم، ما هو المخرج الذي ننتظره منه؟ ما الهدف الكبير الذي يجب أن تعمل من أجله كل المنظومة التعليمية لدينا؟

قديما كان التعليم لدينا ينتج كائنا أمميا مشغولا بالأمة والفداء والجهاد والدعوة، ومع تطور وتنامي الدولة والوعي المدني ودعوات إعادة النظر في المناهج حدث تخفيف واسع لتلك النبرة، إلا أنه عبارة عن إجراءات عابرة ولم يكن مشروعا حقيقيا مكتمل الجوانب، ولم تتعد تلك الخطوات إجراءات الحذف أو الإضافة والاختزال أو تخفيف اللهجة في بعض القضايا الإشكالية كالجهاد والأمر بالمعروف وغيرها.

أتصور أن التعليم لدينا بحاجة لأن يعيد انطلاقه من القيم التالية: أنه تعليم مدني سعودي يستهدف بناء وتأهيل الطالب ليكون مواطنا منتميا لوطنه وثقافة وتاريخ وطنه وأن يكون مدنيا متحضرا معتزا بالتنوع والاختلاف وأن يكون منتِجا شغوفا بالابتكار والإبداع والتميز.

هذه القيم حين تهيمن فإنها ستؤثر كثيرا في المنظومة التعليمية على مستوى المناهج والفكر والبيئة التعليمية.

الخطوات التي يشهدها التعليم السعودي حاليا يمكن وصفها بالخطوات النوعية والجديدة، ربما يرى البعض أنها تنتج إجراءات صادمة ومفاجئة لكن ذلك إيجابي للغاية، والتحدي الكبير اليوم أمام الوزارة لا يتمثل فقط في مواجهة الممانعة التي رافقت التعليم السعودي أصلا منذ بدايته وإنما يتمثل في قدرتها على أن تكون الضامن الأول للمستقبل وللرؤية وأن تسعى إلى دعم وبناء تحول تعليمي واسع على مستوى الخيارات والتنوع والبيئة والمنطلقات والأهداف نحو تعليم مدني وطني مستقبلي.

ربما تمثل وزارة التعليم اليوم أكثر الوزارات التي تواجه تحديات حقيقية ومعقدة ولكن لا خيار أمامها سوى المواجهة والعمل والانتصار.

* كاتب سعودي

yameer33@hotmail.com